هكذا تغزو إيران سوريا اقتصاديا

قال عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الإيرانية كيوان كاشفي، إن بلاده تعتزم إرسال فريق اقتصادي إلى سوريا لدراسة النقص في حاجاتها الأساسية في البنى التحتية لإعادة تأهيل السدود المتضررة. 

ونقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء عن المسؤول الإيراني، قوله "هناك اختلافات كبيرة بين احتياجات السوقين السورية والعراقية في الوقت الحاضر، سوريا تملك الخلفية والأرضية المناسبة لإعادة تفعيل الصناعات المختلفة، وخاصة في المجال الصناعي والزراعي، والأمر الملح حاليا في سوريا هو إعادة تأهيل البنى التحتية كالسدود والماء والكهرباء وكذلك إعادة إعمار البنية المتضررة".

وأوضح كاشفي إن غرفة التجارة الإيرانية تدرس وضع السوق الراهن في سوريا، وسيتم إرسال بعثة الفريق الاقتصادي إلى سوريا خلال شهر ونصف الشهر، كما أكد أن فتح الطريق التجاري في العراق الواصل بين إيران وسوريا، ما سيتيح فرص تبادل اقتصادي كبير بين البلدين وخاصة في مجال تصدير مواد البناء مثل السيراميك والخزف.

سكة حديد للمتوسط

وقبل أيام، قال مدير السكك الحديدية الإيراني "سعيد رسولي"، أنه سيتم قريبا بدء مشروع ربط "ميناء الإمام الخميني" في الخليج العربي مع ميناء اللاذقية على ساحل البحر المتوسط غرب سوريا.

واجتمع "رسولي"، الثلاثاء الفائت، مع مديري السكك الحديدية التابعين للنظامين السوري والعراقي، لمناقشة المرحلة الأولى من المشروع والمتمثلة في ربط مدينتي "شلمجة" الإيرانية و"البصرة" العراقية بطول 32 كيلومتر.

وتبدأ المرحلة الأولى من المشروع بعد ثلاثة أشهر بتنفيذ وتمويل من شركة "بنياد المستضعفين" التابعة للحرس الثوري الإيراني.

وبدأت الحكومة الإيرانية إنجاز خط سكة حديدية "كرمانشاه – بيستون - حميل" الذي يشكل جزءاً مهماً في مشروع ربطها بالعراق وسوريا لتسهيل الترانزيت بين الدول الثلاث، في مسعى جديد للهيمنة الاقتصادية الإيرانية في سوريا، واعتباره جزءا من سلسلة مشاريع تهدف إلى زيادة التعاون في مختلف المجالات بين النظام السوري والعراق وإيران.

الدور الإيراني

تعاظمت سطوة إيران اقتصادياً في سوريا في أواخر العام 2011 بعد مقاطعة دول عربية وأجنبية للنظام السوري جراء سياساته الأمنية المفرطة ضد المتظاهرين والتي فرضت عقوبات على النظام شملت وقف التعامل مع المصرف المركزي السوري ووقف المشاريع التجارية وتجميد أرصدة لمسؤولين سوريين، إذ دعمت إيران النظام السوري بعد توسع رقعة الاحتجاجات مدربين ومستشارين وعناصر من قوة النخبة "القدس" إلى سوريا للمساعدة في قمع الاحتجاجات بإرسال مدربين ومستشارين وعناصر من قوة النخبة "القدس" إلى سوريا للمساعدة في قمع الاحتجاجات وتقديم الدعم التدريبي واللوجستي والمخابراتي ومده بالأسلحة والعتاد وأجهزة المراقبة والتجسس.

وكثفت طهران (بالتوازي مع الدعم السياسي والعسكري) في العام 2012 من زيارات مسؤوليها إلى دمشق لدعمها واقتصاديا.

تجاريا

على الصعيد التجاري؛ رسخت إيران وجودها في سوريا، عبر تدشين طريق طهران دمشق وتأمين خط بري يعبر وسط وشمال العراق وحتى دمشق وسواحل المتوسط في اللاذقية ولبنان؛ ويشكل الطريق نقطة تحول كبيرة لإيران في المنطقة إذ سيتيح لها لعب دور محوري في زيادة صادراتها من السلع غير النفطية إلى العراق وسوريا ولبنان والأردن والمنطقة العربية ويقدم لمنتجاتها ميزة تنافسية عن المنتجات الأخرى بفضل خفض كلف النقل وسهولة الطريق.

كما أن تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة السورية الإيرانية في 21 مارس/آذار 2012 والتي خفضت بموجبها نسبة الرسوم الجمركية البينية للسلع المتبادلة بين البلدين بنسبة 96% وإضافة إلى الوفرة المالية الناجمة عن خط الائتمان والقروض، أدى إلى ارتفاع الصادرات الإيرانية إلى سورية بشكل مطرد، وأصبحت الأسواق السورية سوقاً تصريفية للمنتجات الإيرانية لتتربع طهران على قائمة الشريك التجاري الأول لسوريا. وعلى إثر هذا تحسن حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 869 مليون دولار في عام 2014.

الطاقة

أما على صعيد الطاقة؛ انطلاقاً من الأهمية الاستراتيجية لسوريا كممر للطاقة وشريان الغاز إلى الأسواق الأوروبية، عززت إيران إمدادات الغاز للدول المحيطة بها كالعراق وسوريا عبر الاستمرار بما بدأت به في يوليو/تموز 2010 من مفاوضات أولية مع كلا البلدين لمناقشة مشروع مد "الأنبوب الإسلامي"، وفي يوليو/تموز 2011 تم عقد اتفاقية لمد الأنبوب وتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الدول الثلاثة في مارس/آذار 2013 بحيث يمتد من إيران ليعبر العراق وسوريا ويصل إلى البحر المتوسط بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار، وسيضخ الأنبوب نحو 110 مليون متر مكعب من الغاز يومياً تحصل سوريا والعراق على احتياجاتهما من الغاز الإيراني البالغة نحو 30.25 مليون متر مكعب يومياً فيما سيحصل لبنان على احتياجاته من الغاز والبالغة 7.5 ملايين متر مكعب يومياً كما سيتم تزويد الأردن بالغاز الإيراني أيضاً عبر خط الغاز العربي، وتخطط إيران مستقبلا لشحن الغاز إلى أوروبا عبر ميناء في اللاذقية وقعت مذكرة تفاهم بشأنه مع النظام مطلع 2017.

وضمنت إيران أيضاً في مجال الطاقة حصتها من سوق الطاقة السوري عبر مذكرات التفاهم الموقعة مع النظام للاستثمار في الغاز والنفط في مناطق عدة بسوريا. فبموجب مذكرة تفاهم تم توقيعها في بداية العام 2017 أثناء زيارة لوفد حكومة النظام السوري إلى طهران، سيتم بموجبها إنشاء مصفاة نفط كبرى قرب مدينة حمص تبلغ طاقتها التكريرية 140 ألف برميل نفط يومياً وستقوم إيران بموجب الاتفاق بإعادة بناء وتجهيز مصفاتي حمص وبانياس بعد تضررهما بسبب الحرب، علما أن إنتاج كلا المصفاتين يكفي حاجات سوريا الاستهلاكية.

صناعيا

في المجال الصناعي، حصلت إيران بموجب مذكرات تفاهم تم توقيعها مع وفد حكومة النظام السوري الذي زار طهران مطلع العام 2017 على استثمارات استراتيجية في مناجم الفوسفات بخنيفيس في ريف حمص، ويشمل العقد الموقع التنقيب عن الفوسفات واستخراجه واستثماره لمدة 50 عام، وبهذا حصلت طهران على احتياطي مهم بسوريا إذ تعتبر مناجم الفوسفات بسورية من أكبر حقول الفوسفات في العالم ووفق أرقام الشركة العامة السورية للفوسفات والمناجم فقد بلغ احتياطي سورية من هذا الفوسفات 1.8 مليار طن خام في  2009 كما قدرت أرباح الشركة خلال 2008 بمليارين ومليوني ليرة سورية ( قرابة 40 مليون دولار على سعر صرف 50 ليرة للدولار).

ماليا

على الصعيد المالي، زوّدت إيران المؤسسات السورية بالمال اللازم لسد العجز الحاصل وتجنباً لتوقفها عن العمل حيث فتحت إيران خطا ائتمانيا لدمشق في هذا الإطار ومنحتها العديد من القروض المالية. في يناير/كانون الثاني من العام 2013 قدمت إيران قرضها الأول بمقدار مليار دولار لدعم العجز المالي الذي عانت منه حكومة النظام السوري بعد هبوط إيراداتها بمقدار النصف عمَا كانت عليه في 2010 بسبب العقوبات التي فُرضت عليها من أوروبا وأمريكا ودول عربية، حيث تراجعت الإيرادات العامة بين عام 2011 و2018 بنحو 63% وانخفضت العوائد النفطية بنسبة 93% بين 2010 –2016. وفعّلت كل من طهران ودمشق في شهر آب/أغسطس 2013 منح القرض الثاني لحكومة النظام السوري والبالغ 3.6 مليار دولار ليتم إنفاقه بشكل أساسي على استيراد المشتقات النفطية من إيران حصرا، حيث من المقرر أن تمد طهران سوريا بمعدل ناقلتي نفط شهرياً عبر الخط الائتماني الإيراني، في الوقت الذي وصلت إلى سورية في مايو/أيار 2017 ناقلتي نفط خام تحمل كل ناقلة مليون برميل نفط خام تسهم في تشغيل مصافي النفط في البلاد لإنتاج المشتقات النفطية وطرحها في السوق المحلية، وستسهم هذه الناقلات إضافة إلى عقود النفط المبرمة مع الشركات الإيرانية لتغطية السوق المحلية السورية من مواد الطاقة. وفي يوليو/تموز وقّع بشار الأسد على قانون يصادق على القرض الثالث البالغ مليار دولار مقدم من إيران بهدف تمويل الصادرات.

الاتصالات

في مجال الاتصالات، حصلت إيران على إحدى أهم الاستثمارات القومية التي ستدر عليها أموالاً سهلة، ففي زيارة الوفد السوري لإيران مطلع العام 2017 وقع الجانبان على منح إيران رخصة تشغيل الهاتف المحمول الثالث في البلاد علما أن عائدات شركة النقال في سوريا تقدر بنحو 12 مليار ليرة سورية سنويا، على أن يبلغ حجم الاستثمار في المشغل الجديد نحو 300 مليون دولار، بحيث تكون حصة الجانب السوري 20%، في مقابل 80% لشركة إيرانية.

إعادة الإعمار

أما فيما يتعلق بإعادة الإعمار في سوريا، تُرجمت دعوات النظام لإيران للمساهمة فيها عبر مشاركة الشركات الإيرانية في المعارض التي عُقدت في دمشق مؤخرا، إضافة إلى مجموعة من العقود التي أُبرمت بين الجانبين في عدة قطاعات في إطار إعادة الإعمار، حيث احتل الجناح الإيراني المساحة الأكبر في معرض إعادة الإعمار في دمشق في سبتمبر/أيلول 2017 بعنوان "عمّرها" الذي أُقيم بمشاركة نحو 40 شركة من بين 164 شركة جاءت من 23 دولة في مختلف المجالات؛ الإنشاء؛ ومواد البناء؛ إضافة إلى قطاع النفط؛ والطاقة الكهربائية؛ والنقل وغيرها. وكان للشركات الإيرانية أيضاً النصيب الأكبر في أول معرض تجاري تقيمه سوريا في أغسطس/آب 2017 حيث شاركت فيه أكثر من 30 شركة إيرانية في مختلف التخصصات. كما تم الاتفاق في مطلع العام 2017 بين طهران ودمشق على التعاون في إنشاء محطات توليد كهرباء ومجموعات غازية على الساحل السوري، وإعادة تأهيل محطات الكهرباء في دمشق وحلب وحمص ودير الزور وبانياس وفق مذكرة تفاهم في سبتمبر/أيلول 2017، وعدت فيها دمشق إيران بأنها ستقدم عقود إعمار لشركات إيرانية لإعادة بناء محطات وشبكات الكهرباء في كل أنحاء البلاد؛ إذ وقعت حكومة النظام مع شركة "مبنا غروب" الإيرانية عقدا لإعادة إنشاء خمس محطات توليد الطاقة الكهربائية في جزء من مدينة حلب مقابل 130 مليون يورو، وستستورد سوريا من إيران وفق هذه المذكرة  540 ميغاوات من الكهرباء إلى محافظة اللاذقية. وبلغت القيمة المالية للعقود الموقعة مع إيران في العام 2016 مع وزارة الكهرباء السورية حوالي ترليون ليرة سورية (أكثر من 4.5 مليار دولار على سعر صرف 430 ليرة للدولار) تم توقيعها مع الشركة المذكورة لتوريد مجموعات لمحطات في حلب وبانياس.

وعلى ضوء ما سبق يمكن استخلاص مجموعة من المؤشرات حيال النفوذ الإيراني في سوريا بعد 2011 لعل أهمها: تمكن إيران من تشكيل حلقة جغرافية ربطت العراق وسوريا ولبنان، إضافة إلى تأمين الطريق البري الواصل بين هذه البلدان سيسهم في تعزيز صادرات إيران إلى الأسواق السورية والعراقية واللبنانية والأردنية من السلع غير النفطية؛ وتوقيع اتفاق مد "الأنبوب الإسلامي" الذي سيسمح لإيران بإيصال إمدادات الغاز إلى سوريا والعراق ولبنان والأردن وإيصاله مستقبلا إلى الأسواق الأوروبية؛ ورفع أرقام التبادل التجاري بين البلدين إلى حدود مليار دولار، وأصبحت سوريا سوقا تصريفية للسلع الإيرانية؛ كما اعتبر عام 2017 كان عام قطف ثمار التدخل بالنسبة لإيران إذ وقعت خمس مذكرات تفاهم بين حكومتي دمشق وطهران في يناير/كانون الثاني تضمنت العديد من الاستثمارات السيادية في الطاقة والاتصالات والصناعة والزراعة والثروة الحيوانية؛ ناهيك عن الحصول على استثمارات سيادية عبر توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات عدة منها خط المحمول الثالث، واستثمارات صناعية وزراعية.

المصدر: إيران إنسايدر

مقالات متعلقة

الاثنين, 8 يوليو - 2019