لبنان يودع عاما أسودا.. فهل يستعد لاستقبال الأسوأ؟

يودع اللبنانيون عام 2020 مجمعين على أنها واحدة من أسوأ السنوات التي مرت على البلاد، وهو انطباع عالمي عن العام 2020 الذي شهد انتشار جائحة كورونا وآثارها، ميزه في لبنان انهيار اقتصادي ومالي شامل أدى إلى أزمات سياسية واجتماعية وأمنية خانقة، لتستتبع بانفجار مرفأ بيروت الذي رفع معاناة اللبنانيين مع العام 2020 إلى القمة بين باقي الشعوب.  

ولم يعد الفقر أرقاماً وتقاريراً وإحصاءات، الناس تعيشه وتعاينه يومياً، المدينة نفسها تعاني الفقر، بشوارعها وأهلها ومحالها وأسواقها وزينتها، حتى إشارات السير فيها متوقفة عن العمل، بعدما عجزت الحكومة اللبنانية عن تجديد عقد الصيانة والتشغيل مع الشركة المتعهدة. لم يعد مشهد إنسان يلتقط قوته من حاوية النفايات، مستهجناً او مرفوضاً، بل واقعاً يومياً مألوفاً في المدينة الفقيرة.

الناس يتجهزون لمرحلة ما تحت خط الفقر، يدركون أن مطلع عامهم الجديد يحمل لهم رفع الدعم الحكومي عن أساسيات حياتهم، يتجولون قبل أن يتضاعف سعر مادة البنزين 6 مرات ويصبحون بمعظمهم عاجزين عن شرائه أو مقتصدين باستخدامه. نسبة الإقبال على شراء الدراجات النارية تضاعفت وتضاعف معها أسعار الدراجات، ويتأكد ذلك من خلال الإقبال المضاعف أيضاً للاستحصال على رخص سوق الدراجات النارية الموفرة في مادة البنزين.

أزمة الطحين بدأت والدعم الحكومي بات ينحصر برغيف الخبز اليومي دون غيره من منتجات الطحين. ومثلها أزمة السلع الغذائية الرئيسية والخضار والفاكهة، كلها تتجه بأسعارها نحو ملاءمة سعر الدولار في السوق السوداء حيث تخطى الـ8000 ليرة لبنانية، فيما الدعم يبقيها على سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة) أو على سعر الصرف لدى الصرافين (3900 ليرة)، كل ذلك يوضح حجم الارتفاع المقبل على الأسعار التي بلغت نسبة تضخمها 131% بين أيلول 2019 وأيلول 2020.

هذا الواقع بدأ ينعكس على نوعية الغذاء في لبنان، أنطوني صاحب واحد من أشهر أفران عين الرمانة، يتميز عن غيره بمناقيش الجبنة التي كان يقدمها، اليوم فقد ميزته بعدما بات عاجزا عن الحصول على النوعية اللازمة من الأجبان بسعر يناسب السوق. تخلى انطوني عن ميزته في سبيل استمراريته، كما هو حال أحد أشهر مطاعم "الفول والحمص" في برج حمود حيث يعمل محمد. لم يعد يقدم المطعم الخبز العربي الخاص به الذي كان يقدمه لزبائنه من الفرن ساخنا، تكلفة الطحين أجبرته على تقديم الخبز العربي العادي.

 يسأل ميشال زبائنه إن كانوا بحاجة لكيس نايلون من أجل مشترياتهم أم لا ليحاول التوفير، يقسم في حديثه لموقع "الحرة" أن ربطة أكياس النايلون من شأنها أن تتسبب له بخسائر بعدما تضاعف سعرها 3 مرات، فارتفاع الأسعار خفض هامش الربح لديه إلى حد أن مصروف الأكياس قد يبدد أرباحه.

فايزة لم تنجح ببيع كل ما عرضته في محلها لبيع الهدايا من زينة لعيد الميلاد. "لم يستطع الناس هذا العام شراء شجر وزينة، كل الأسعار تلحق الدولار لأن كل بضاعتنا مستوردة بالدولار، الناس تعجز عن تأمين أساسياتها اليوم، ولا أحد يريد زينة قد تكلفه نصف قيمة راتبه بالليرة، حتى المدينة لم يزينوها هذا العام كما كل عام".

يتوقع البنك الدولي في أحدث تقاريره حول لبنان، أن يصبح أكثر من نصف السكان فقراء بحلول 2021، وأن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 194%، ارتفاعا من 171% نهاية 2019، وسط تراجع في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل حاد إلى -19.2% عام 2020، بعد انكماشه بنسبة -6.7% عام 2019، في حين أن معدلات التضخم تجاوزت حد 100%.

في تقارير سابقة أيضاً يؤكد البنك الدولي أن نسبة الفقر المُدقع أصبحت ٢٣.٢٪ بعدما كانت ٨.١٪، كل ذلك قبل خطوة رفع الدعم. الطبقة الفقيرة كانت ١٩.٨٪ وارتفعت إلى ٣٢٪ حاليًا، لتشتد مع هذه الأرقام حدة الانقسام الطبقي في لبنان بعد تراجع الطبقة الوسطى بحيث انخفض أسفلها من 45.6% إلى 35.2% وذهب الفارق إلى خانة الفقر والفقر المدقع، فيما تراجعت قمة الطبقة الوسطى من 11.5% إلى 4.6%. كل هذه الأرقام متجهة نحو تبدلات حادة إلى الأسوأ مع العام 2021 وبعد رفع الدعم نهائياً.

لم يعد غريباً أيضاً أن تصادف عسكرياً على مدخل مصرف يمسك رأسه حائراً متحسراً ويقول "راتبي بات يساوي 150$"، بعدما كان راتب العسكري في لبنان يخوله أن يكون في عداد الطبقة الوسطى، حاله كحال 44% من الأسر اللبنانية التي تتقاضى أقل من مليون و200 ألف ليرة (نحو 150 دولارا)، وأفضل من حال 18% من الأسر التي تتقاضى شهريا أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 650 ألف ليرة، وبالمجمل فإن 73% من الأسر يقل دخلها الشهري عن مليونين و400 ألف ليرة (نحو 300 دولار)، وفقاً لأرقام دائرة الإحصاء بشأن متوسط دخل الأسر في لبنان.

إغلاق المحال التجارية وإفلاس المؤسسات ظاهرة أخرى تواجه اللبنانيين وتتحول لمشهد مألوف يومياً سيبلغ ذروته في العام 2021، عشرات المحال التي تقفل شهرياً في شوارع بيروت، ولا يقبل غيرها على الاستثمار، "الماركات" العالمية ترحل بالتدريج عن لبنان ولا يحل مكانها أي بدائل للسوق الذي انتقل من مرحلة التعثر إلى العجز الكامل.

حتى نوعية التعليم الذي يتلقاه اللبنانيون باتت مهددة بفعل الفقر المقبل، أزمة في الجامعات التي رفعت أقساطها على أساس سعر صرف الدولار لدى الصرافين (3900 ليرة) في مقابل انتفاضة طلابية تطالب بأقساط على حساب سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة). على صعيد المدارس والثانويات الأمر ليس أفضل، حيث انحلت معظم المدارس الخاصة من التزاماتها تجاه وزارة التربية وبدأت ترفع أقساطها بشكل منفرد، الأمر الذي انعكس إقبالاً على المدارس الرسمية التي لم تعد قادرة على التلبية لا من ناحية الإمكانات ولا نوعية التعليم، لاسيما مع استمرار آثار جائحة كورونا على التعليم عموماً في البلاد.

الفقر في لبنان بات أوضح من أن يخبأ، وآثاره تحيط باللبنانيين من كل اتجاه، فالبلاد التي لطالما اعتمدت على خطط "التجميل" الرسمية لتلائم الاقتصاد السياحي والخدماتي، باتت أعجز عن تأمين مستلزمات هذا "التجميل". يقف اللبنانيون في استقبال العام 2021 أمام مرآة تعكس لهم الصورة كما هي، من تحت خط الفقر.

المصدر: الحرة

مقالات متعلقة

الخميس, 31 ديسمبر - 2020