عاد رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري إلى المشهد مجدداً، بعدما كلّفه الرئيس ميشال عون بتشكيل الحكومة المنتظرة، بعد فشل المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أغسطس الماضي لتشكيل حكومة لبنانية جديدة، وعلى وقع تحديات داخلية وإقليمية كبيرة.
ويعتبر الحريري، بشكل أو بآخر، الحليف السياسي للسعودية في لبنان؛ لكونه يقود تيار المسلمين السنّة في بلد تلعب الطائفية دوراً رئيسياً في تشكيل حكوماته، بل وفي أغلب أزماته إجمالاً.
ويأتي التكليف الجديد للحريري في وقت يعيش فيه لبنان أزمة سياسية واقتصادية هي الأسوأ على الإطلاق منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990. وقد وقفت به هذه الأزمة على حافة الانهيار المالي والسياسي، وجعلت شبح الحرب الأهلية يلوح مجدداً في الأفق.
وفي خضم هذه الأزمة التي تعصف بالبلد، ما تزال الحسابات الطائفية والتوازنات السياسية والتفاهمات الدولية والإقليمية وصراع النفوذ، تسيطر على الملفات كافة، وتحكم كل شيء بغض النظر عما يعتمل في صدور اللبنانيين من مخاوف وما يعتصرهم من أزمات.
فالبلد الذي يمثل حصّة فرنسا في المنطقة، كما يقول البعض، هو أيضاً حديقة الرياض الخلفية، ومع ذلك فإنه في اللحظة الراهنة يعتبر خاضعاً بشكل كبير لإيران، عبر حزب الله، الذي يحكم قبضته على كل مفاصل الدولة اللبنانية، برأي كثيرين.
مرشح وحيد
وبعدما فشل ماكرون في تنفيذ رؤيته لمستقبل لبنان، وهي الرؤية التي طرحها خلال زيارته الطارئة إبان انفجار مرفأ بيروت، الذي أحدث أضراراً مادية وسياسية كبيرة، وبعد إعلان مصطفى دياب تخليه عن مسؤولية تشكيل الحكومة، عاد الحديث عن الحريري بوصفه المرشح الوحيد الذي يمكن أن يقبل به الجميع، داخلياً وخارجياً، لتشكيل الحكومة.
وبالفعل، انتهت الاستشارات النيابية الملزمة، التي جرت (الخميس 22 أكتوبر) بالقصر الجمهوري في لبنان، بخروج المرشح الوحيد سعد الحريري رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة بـ 65 صوتاً، مقابل 53 نائباً امتنعوا عن تسميته، في حين تغيّب نائبان عن الاستشارات.
واستطاع الحريري أن ينال التكليف بأصوات الكتل النيابية التابعة لكل من تيار المستقبل، وكتلة الوسط برئاسة نجيب ميقاتي، وحركة أمل الشيعية، والحزب التقدمي الاشتراكي، وكذلك تيار المردة، والحزب القومي السوري الاجتماعي، وحزب الطشناق الأرمني، مع مستقلين آخرين.
في حين امتنع عن تسميته "حزب الله" وكل من التكتلين المسيحيين الكبيرين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، وآخرون
وبعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، أعلن الحريري فور تكليفه أنه عازم على تشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين، مهمتها تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية، والعمل على إعادة إعمار ما دمره انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي.
وتعتبر إعادة الدعم السعودي إلى لبنان واحدة من أهم القضايا التي سيكون على الحريري خوضها؛ لكونه الأقدر على نيل ثقة ودعم الرياض، لكن هذه الثقة ربما تصطدم بقدرته على تحجيم دور حزب الله، ذراع إيران في لبنان.
ووسط هذه التكهنات قالت صحيفة "المدينة" السعودية، (الجمعة 30 أكتوبر)، إن الرياض تريد سعد الحريري رئيساً للحكومة اللبنانية المقبلة دون الغوص بتفاصيل التشكيل والأحجام السياسية فيها.
وذكرت الصحيفة أنه "ليس مهماً إن كانت الحكومة اللبنانية المقبلة التي جرت الموافقة على الحريري لترؤسها مصغرة أو متجاوزة للعشرين وزيراً، المهم هو أن يتكاتف الجميع مع الحريري لاجتياز النفق الذي أدى بلبنان إلى ما هو عليه الآن من تمزق وضائقة اقتصادية".
وكان مسؤولون سعوديون أكدوا، في تصريحات سابقة، أنه آن الأوان لكي يخرج لبنان من قبضة حزب الله وأن يعود إلى حاضنته العربية، وأن يمنح الفرصة لمن يسمونهم الوطنيين لكي يصلحوا ما أفسده حزب الله في لبنان.
المحلل السياسي اللبناني "أسعد بشارة" يرى أن السعودية لها سياسة ثابتة تجاه لبنان تقوم على دعم فكرة الدولة ومواجهة السلاح الخارج عنها ممثلاً في حزب الله الذي سيطر على لبنان بالقوة لحساب إيران.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال بشارة إن الرياض تنطلق في علاقتها مع الحريري من هذه السياسة، مضيفاً: "رغم العلاقة الثابتة بين الحريري والمملكة فإن الأخيرة تتجاوز هذه العلاقة في مسألة تشكيل الحكومة، بل وفي نظرتها للعلاقة مع لبنان ككل، بمعنى أنها لن تقبل بالتعاون مع أي حكومة يسيطر عليها حزب الله.
وأشار بشارة إلى أن المملكة تعاملت من هذا المنطلق مع التوافق الرئاسي الذي جرى قبل أربع سنوات، وانتظرت ما سيفعله الرئيس عون لتقليل سيطرة حزب الله على البلاد، لكنها وجدت أنه لم يقدّم أي شيء في هذا المضمار، بل وزاد من سيطرة الحزب على لبنان.
وخلص المحلل اللبناني إلى أن تشكيل أي حكومة يخضع لهذه النظرة السعودية، وفي حال خروج الحريري بحكومة خاضعة لحزب الله فإن موقفها من لبنان لن يتغير.
تحديات داخلية وخارجية
وجاء تكليف الحريري، الذي سبق له تشكيل الحكومة مرتين، محاطاً بتحديات داخلية وخارجية كبيرة هذه المرة، فعلى المستوى الداخلي تواجه الحريري مشكلة الرئيس ميشال عون، الذي لن يقبل بحكومة تخالف حساباته، أما الحريري فيقول إنه عازم على تشكيل حكومة اختصاصيين (تكنوقراط).
كذلك سيكون من الصعب على الحريري تجاهل أكبر تكتلين مسيحيين؛ "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، في تشكيلته الحكومية، ما سيجبره لاحقاً على البحث عن تسوية معهما.
ولن يسلم الحريري أيضاً من عقبة الثنائي الشيعي (حزب الله، وحركة أمل) في عملية تأليف الحكومة، من دون تقديم ضمانات كافية لهواجسهم الداخلية والخارجية.
وإلى جانب ما سبق فإن وزير الخارجية السابق، جبران باسيل، الذي يمثل إحدى معضلات السياسة اللبنانية حالياً، سيبدأ معركته لرئاسة الجمهورية، لأن المجلس النيابي المقبل هو المخول بإجراء الانتخابات الرئاسية، ما يعني أن عون يخوض في وجه الحريري معركة الحفاظ على صورة تيار "العهد" ومعركة صهره (باسيل) الرئاسية.
وعلى المستوى الخارجي، سيواجه الحريري- بحسب كثير من المحللين- أزمة عدم ثقة الفرنسيين الكاملة به، واحتمال إبقاء باريس قنواتها مفتوحة مع كل التيارات اللبنانية، وهو ما قد يربك الحريري في تشكيل حكومته.
المصدر: الخليج أونلاين