إيران وروسيا في سوريا.. من يطلق الرصاصة الأولى؟

بدأ الصراع الروسي الإيراني يطفو على السطح وتحديدا من بوابة دير الزور، ما يوحي بإمكانية انتهاء مرحلة الائتلاف المرحلي بين البلدين بمواجهة تحمل بين طياتها استراتيجيا مختلفة فرضتها تحالفات جديدة بعد اجتماع القدس الثلاثي بين "أمريكا، وروسيا، وإسرائيل". 

مصدر أمني عراقي رفيع أكد لـ"بي بي سي" أن منسوب التوتر بين قوات روسيا وإيران ارتفع في منطقة شرقي سوريا إلى حد الاستنفار العسكري وهو ما كاد يتدحرج إلى اشتباك بينهما.

التوتر مردّه، بحسب المصدر العراقي، إلى قيام القوات الروسية بمنع فصائل حليفة لإيران بالتمركز في عدد من المناطق بما في ذلك نقطة حدودية مع العراق.

وأكد مصدر في ما تعرف بـ"غرفة عمليات حلفاء سوريا" -التي تضم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وفصائل عراقية- الأنباء دون إعطاء المزيد من المعلومات.

تسريب مواقع

ويأتي التوتر بين الروس والإيرانيين إثر نشر شبكة محلية تدعى "عين الفرات"، الخميس الماضي، خرائط توضح أماكن تمركز القوات الإيرانية شرق سوريا، ومراكز توزّع مخازن الأسلحة مع تحديد أنواع الأسلحة الموجودة في كل مقر.

وقالت مصادر محلية أن المنطقة "شهدت استنفارا غير مسبوق أعقبه قيام الميليشيات التابعة لإيران بنقل كميات كبيرة من السلاح من أحد مقراتها في مدينة البوكمال مع تغيير أماكن توزع الجنود والعناصر في المقر.

وأضافت أن قياديا إيرانيا يدعى "سلمان الإيراني"؛ والذي يعتبر القائد الأول للميليشيات التابعة لإيران في مناطق شرق سوريا، كلّف عناصر من "لواء فاطميون" -الذي يتكون من مقاتلين أفغان- بمهمة مراقبة وكشف من يقوم بالتصوير وإيصال المعلومات عن تحركات الميليشيات في المدينة، ورصد مكافأة مالية لمن يرشده إلى من يرصد ويصور تلك المواقع.

وكشفت شبكة "عين الفرات" عبر صفحتها على فيسبوك، إن الموقع الأول يقع داخل مدينة البوكمال، وتحديدا في حي الجمعيات، حيث يتمركز فيه عناصر من ميليشيا "حزب الله" اللبناني، ويضم نحو 50 مسلحا بعتادهم الكامل.

أما المقر الثاني والذي يقع في حي الجمعيات أيضا، تتمركز فيه ميليشيا "حركة النجباء" التي ينحدر عناصرها من العراق.

ويقع الموقع الثالث على ضفاف نهر الفرات، مقابل قرية الباغوز التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ويستخدمه القيادي سلمان الإيراني، كمقر رئيسي للميليشيات التابعة لإيران، ويتواجد فيه 150 مسلحا من "لواء فاطميون" مع أسلحتهم الثقيلة، و8 راجمات صواريخ، وصواريخ موجهة محمولة على الكتف، ومضادات من عيار23 وعيار 14.50 وعيار 12.

كما ذكرت الشبكة بالتفصيل مواقع وأماكن انتشار الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيرانية في ديرالزور.

أسباب المواجهة

وجاء التوتر بين الروس والإيرانيين بعد أقل من عشرة أيام على اجتماع مستشاري الأمن القومي الإسرائيلي والروسي والأمريكي في إسرائيل، وبالتزامن مع التوتر الإيراني الأمريكي المتزايد في منطقة الخليج العربي.

تدرك إيران أن خلافها مع روسيا، آتٍ من البوابة الإسرائيلية؛ فروسيا بحسب المسؤولين الإيرانيين لم تكن يوما إلى جانب إيران فيما يتعلق بإسرائيل.

روسيا بدورها لم تنف أنها تعارض الأجندة الإيرانية تجاه إسرائيل من الأراضي السورية وهو ما دفع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريباكوف للقول إن إيران ليست حليفة لموسكو، وأن بلاده لا تستخف بأي طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان أمن قوي لإسرائيل، وهي من أهم أولويات روسيا.

صراع داخل الجبهة

حصر الصراع الروسي الإيراني، بالملف الإسرائيلي قد لا يشرح المشهد بأكمله، ولكي يكتمل المشهد يجب وصف التنافس بين طرفي حلف الأسد في سوريا بأنه صراع داخل الجبهة الواحدة، إذ أن كلا البلدين حتى اللحظة لم ينجح برغم كل التناقضات التي تحيط بهما في إيجاد شريك آخر ومناسب بذات الأهداف يمكنه استبدال الآخر به.

هو ائتلاف أكثر منه تحالف، فرضت الظروف والخصوم المشتركين عليه أن يتطور إلى تعاون استراتيجي بالإكراه، لكنه أمر واقع لا يمكن لكلا الطرفين التخلي عنه، على الأقل حتى تغيّر أسبابه.

كل ما سلف يعزز تضاد المصالح الذي ينعكس صراع نفوذ على الساحة السورية الداخلية، فيتجلى تسابقا على التأثير داخل النظام، من رأسه إلى القواعد الشعبية وحرب التأثير عليها من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

التزاحم يتجلى على مستوى التعيينات داخل قوات النظام والقوى الأمنية، وفي التسابق على قطع الطرقات أمام الطرف المقابل لتثبيت النفوذ داخل مؤسسات الدولة بشكل خاص، بل وحتى إلى قيام إيران بما يشبه تهريب الأسد إليها بعيدا عن أي تسريب مسبق في زيارة رسمية كي تنجح بالتقاط صور له مع القادة الإيرانيين في طهران دون أن يؤدي تدخل روسي إلى إفشالها.

نقطتان خلافيتان

وتنقل "بي بي سي" عن مصدر تابع للنظام السوري وصفته بـ"المطلع"، إن رأس جبل جليد الخلاف يتمحور حاليا حول نقطتين. الأولى، مشروع سكة الحديد الواصل بين إيران وسوريا عبر العراق والذي يمر في محافظة دير الزور، حيث حصل الاستنفار الأخير، والثانية، استلام إيران لمرفأ اللاذقية الذي سيكون المحطة الأخيرة في مسار السكة الحديدية.

وكان قال مدير السكك الحديدية الإيراني "سعيد رسولي"، أنه سيتم قريبا بدء مشروع ربط "ميناء الإمام الخميني" في الخليج العربي مع ميناء اللاذقية على ساحل البحر المتوسط غرب سوريا.

واجتمع "رسولي"، الثلاثاء الماضي، مع مديري السكك الحديدية التابعين للنظامين السوري والعراقي، لمناقشة المرحلة الأولى من المشروع والمتمثلة في ربط مدينتي "شلمجة" الإيرانية و"البصرة" العراقية بطول 32 كيلومتر.

وتبدأ المرحلة الأولى من المشروع بعد ثلاثة أشهر بتنفيذ وتمويل من شركة "بنياد المستضعفين" التابعة للحرس الثوري الإيراني.

وبدأت الحكومة الإيرانية إنجاز خط سكة حديدية "كرمانشاه – بيستون - حميل" الذي يشكل جزءاً مهماً في مشروع ربطها بالعراق وسوريا لتسهيل الترانزيت بين الدول الثلاث، في مسعى جديد للهيمنة الاقتصادية الإيرانية في سوريا، واعتباره جزءا من سلسلة مشاريع تهدف إلى زيادة التعاون في مختلف المجالات بين النظام السوري والعراق وإيران.

ونقلت صحيفة "تشرين" الموالية للنظام السوري أن وزير الطرق وبناء المدن الإيراني "محمد إسلامي" أوضح خلال مراسم البدء بإنجاز هذا الخط السريع أن طول المشروع 1041 كيلومتراً، ويشارك فيه القطاع الخاص بنسبة 70 بالمئة، وأعرب إسلامي عن أمله بإنجاز هذا الجزء بشكل أسرع بمساعدة القطاع الخاص وموافقة البنوك في منح المزيد من التسهيلات المالية، حسب وصفه.

ويعتبر الوجود الإيراني على البحر المتوسط مصدر قلق بالنسبة لروسيا التي تريد أن تكون صاحبة القوة الرئيسية على الساحل الشرقي للمتوسط وهو ما يضمنه لها مرفأ طرطوس الذي استأجرته لمدة 49 عاما.

ورغم أن إيران حصلت على حق التشغيل التجاري حصراً لمرفأ اللاذقية أواخر العام 2018، إلا أن مجرد وجود إيران هناك يشكل قلقا لروسيا التي تملك قاعدة عسكرية قريبة من المرفأ في حميميم، وهو ما قد يعرّض قواتها للخطر في حال حدوث أي توتر كبير بين إيران وإسرائيل أو بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

نقطة ثالثة قد تكون أيضا جزءا من مسببات التوتر مرتبطة بالحضور العسكري العضوي الإيراني من خلال فصائل سورية دربتها طهران وهي تعوّل أن تكرر بها تجربة حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.

المصدر: إيران إنسايدر + بلدي نيوز

مقالات متعلقة