دولة داخل دولة وسطوة عسكرية واقتصادية وثقافية.. تفاصيل مثيرة عن يد إيران الطولى بالعراق

سلط مقال مفصل نشر على موقع "وور أون ذي روك" الضوء على تفاصيل مثيرة تتعلق بالهيكلية التنظيمية لميليشيا كتائب حزب الله في العراق وكيفية تشكيلها من قبل إيران، ومدى قوتها وكيفية الحد من نفوذها، بالإضافة إلى كشفه لحقيقة التسميات التي تطلق على قادة الميليشيا البارزين من أمثال "الخال والشايب والمعلم".

وقال المقال، الذي كتبه حمدي مالك وهو كاتب مساهم في موقع المونيتور و"بي بي سي" باللغة الفارسية، إن "كتائب حزب الله أصبحت الوكيل الإيراني الأكثر خطورة في العراق، فقد شاركت في أنشطة لا تعد ولا تحصى لحماية وتوسيع نفوذ طهران في العراق والمنطقة".

وإضافة لذلك فقد ساعدت هذه الميليشيا في قمع حركة احتجاج عراقية قومية مناهضة لإيران واستخدمت الأراضي العراقية لشن هجمات على دولة مجاورة وقامت علانية بترهيب وتهديد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

ويشير كاتب المقال، الذي حمل عنوان "التهديد المتنامي من وكيل إيران المفضل في العراق"، إلى أن نفوذ هذه الجماعة توسع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأصبحت الوكيل الأكثر موثوقية لإيران لتعزيز طموحاتها في العراق.

ويرى أن هناك العديد من الميليشيات المدعومة من إيران التي تقوم مرارا وتكرارا بعصيان أوامر رئيس الحكومة، لكن كتائب حزب الله كانت الأكثر تكرارا لهذا الأمر، الأمر الذي أدى لتآكل سلطة الدولة العراقية، على الرغم من خضوعها شكليا لمكتب القائد العام كجزء من قوات الحشد الشعبي.

تأسيس "الفيلق السري"

ويقول الكاتب إنه وفي ذروة حملة طهران ضد القوات الأميركية في العراق عام 2007، توصل قاسم سليماني، إلى نتيجة مفادها أن هناك حاجة لتشكيل ميليشيا أكثر مرونة من أجل إلحاق أقصى الضرر بالقوات الأميركية.

  ويتابع أن سليماني خلص إلى أن اثنتين من الميليشيات الرئيسية التابعة لإيران في العراق، وهما منظمة بدر وجيش المهدي والجماعات المنشقة عنهما، لم ولن تكونا عمليتين. لذا، قرر قائد فيلق القدس السابق، الذي قتل في غارة أميركية مطلع هذا العام، أنه بحاجة إلى نخبة جديدة أفضل تدريبا وتجهيزا، وتخضع لسيطرة إيران بشكل كامل للتصعيد ضد الجيش الأميركي، وفقا لكاتب المقال. 

جمع سليماني، بمساعدة عدد قليل من قادة الميليشيات العراقية واللبنانية (بما في ذلك أبو مهدي المهندس) خمس ميليشيات أصغر لتشكيل كتائب حزب الله، أطلق عليها الكاتب اسم "الفيلق السري".

تمثلت هذه الميليشيات بلواء أبو الفضل العباس وكتائب كربلاء وكتائب زيد بن علي وكتائب علي الأكبر وكتائب السجاد، وانضوت تحت راية واحدة وتلقوا أسلحة إيرانية متطورة وتدريبات مكثفة من قادة حزب الله اللبناني، حسب المقال.

ويقول الكاتب إنه منذ نشأتها، حافظت كتائب حزب الله العراقية على علاقات وثيقة مع حزب الله اللبناني وقادته ومن أبرزهم عماد مغنية الذي لعب دورت رئيسيا في تشكيل الميليشيا العراقية.

ومنذ ذلك الحين، نمت كتائب حزب الله من مجموعة نخبوية صغيرة من بضع مئات من المقاتلين إلى واحدة من أكثر الميليشيات العراقية قدرة، حيث تشير التقديرات إلى أن لديها حاليا ما مجموعه 10 آلاف مقاتل، معظمهم داخل العراق وبعضهم في سوريا.

لا تقتصر أنشطة كتائب حزب الله على العمليات العسكرية والأمنية، إذ تدير الجماعة المتشددة منافذ إعلامية ولديها مراكز ثقافية وأنشأت مراكز بحثية.

وتطرق المقال إلى نفوذ كتائب حزب الله داخل هيئة الحشد الشعبي، حيث تلقت معاملة خاصة مستغلة منصب أحد أبرز مؤسسيها المتمثل بأبو مهدي المهندس عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الحشد قبل مقتله رفقة سليماني.

وبعد وفاة المهندس، أصرت ميليشيا حزب الله على أن يتم شغل منصبه من قبل قائد آخر في كتائب حزب الله، على الرغم من معارضة مجموعات مختلفة داخل قوات الحشد الشعبي، لكن الميليشيا فرضت "أبو فدك المحمداوي" أحد كبار قادتها، لتولي منصب رئيس أركان قوات الحشد الشعبي بالإنابة في فبراير الماضي.

كما تسيطر كتائب حزب الله على مديريات مهمة داخل قوات الحشد الشعبي، من أبرزها مديرية الأمن، التي تتطور بسرعة وتتحول إلى قوة شؤون داخلية متنفذة ذات قدرات استخباراتية ولديها قوات خاصة بها. 

ويشير الكاتب إلى أن "الميليشيا تسيطر إضافة لذلك، على مديرية الصواريخ داخل هيئة الحشد، وهذا مهم بشكل خاص، لأن إيران أرسلت صواريخ باليستية إلى كتائب حزب الله وتعمل على نقل تكنولوجيا الصواريخ إلى الجماعة، وهو امتياز لم يمنح للميليشيات الأخرى الموالية لإيران في العراق".

ولتعزيز خططها دون أي تدقيق من الحكومة، قامت كتائب حزب الله بتحويل منطقة استراتيجية جنوب بغداد تسمى جرف الصخر إلى منطقة محظورة. 

حتى عام 2014، كانت المنطقة مأهولة بالسكان العرب السنة، لكن بعد تحريرها من قبضة تنظيم داعش، منعت كتائب حزب الله السكان من العودة. 

لا يسمح لأي قوة عراقية أخرى بدخول جرف الصخر، وتعتبر حاليا ملاذا لأنشطة كتائب حزب الله، بما في ذلك تطوير الصواريخ، حيث لم تذهب أي ميليشيا مدعومة من إيران إلى هذا الحد في انتهاك سيادة الدولة كما تفعل هذه الميليشيا، وفقا للكاتب.

"الخال والشايب والمعلم"

وتبنت كتائب حزب الله تسلسلا هرميا فريدا لضمان أقصى درجات السرية حول أنشطتها. يقول الكاتب إن أعضاء سابقون في كتائب حزب الله أخبروه أن الجماعة المسلحة تقسم مقاتليها إلى فئتين رئيسيتين يطلق على أعضاء الفئة الأولى اسم "الأجسام"، وهم المقاتلون الذين تم اختبارهم واكتسبوا ثقة قادتهم.

أما أعضاء الفئة الثانية، التي تتكون من غالبية المقاتلين فتسمى "الأرقام" وهم من الذين يطلعون على القليل من المعلومات حول أنشطة كتائب حزب الله وتسلسلها القيادي، لدرجة أنهم في بعض الأحيان لا يعرفون حتى الأسماء الحقيقية لقادتهم المباشرين، ويعرفون فقط بدلا من ذلك أسماءهم المستعارة.

كما أنشأت كتائب حزب الله نظاما داخليا خاصا لأعضائه، فالأجسام لديهم مرشدون خاصون بهم يطلق عليه اسم "المعلمون". المعلمون أو المرشدون ليسوا مجرد قادة عسكريين، فمن خلال أنشطتهم "الجهادية"، يُفترض أنهم اكتسبوا حكمة فريدة يمنحونها بدورهم للمتدربين، حسب المقال.

المنصب الآخر الذي يحمل اسما مستعارا في التسلسل الهرمي لكتائب حزب الله هو "الخال"، وينقل الكاتب عن مصادر داخل الحشد الشعبي قولهم إن هذا الاسم المستعار مخصص لعدد قليل من القادة رفيعي المستوى، حسب كاتب المقال.

وينقل الكاتب عن آخرين قولهم إن الشخص الوحيد الذي يتمتع بهذا الاسم هو أبو فدك، أما المهندس فيلقب بـ"الشايب" ومعناها الرجل الأشيب.

ويرى المقال أن استقطاب الشباب لقضيتها يعتبر أولوية لكتائب حزب الله، حيث لم يقتصر الأمر على قيامهم بتأسيس جمعية "كشافة الإمام الحسين" للقيام بأنشطة اجتماعية وسياسية مختلفة وتجنيد "هيئات" موالية وجديرة بالثقة في المستقبل، بل قاموا بتجنيد الشباب للتجسس على القوات الأميركية.

ويضيف أن "صابرين نيوز" وهي قناة إخبارية على منصة تليغرام تابعة لكتائب حزب الله كانت قد طلبت من العراقيين الانضمام إلى "خلية الظل" التابعة لكتيبة حزب الله. 

الرسالة التي نشرت في 21 أغسطس وتمت إزالتها لاحقا طلبت من العراقيين إرسال صور أو مقاطع فيديو أو معلومات عن كل تحركات القوات الأميركية، وكانت هذه مهمه "خلية الظل".

وتعمل كتائب حزب الله جاهدة لتشكيل رأي عام يخدم مصالحها، ولتحقيق هذا الهدف، أنشأت مجموعة متنوعة من المنافذ الإخبارية.

"مراكز ثقافية"

الكتائب لديها قنوات فضائية وراديو وصحف ووكالات أنباء وقنوات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. 

كما أنشأت الجماعة المتشددة عدة مراكز ثقافية، بشكل رئيسي في بغداد، وأيضا في المدن ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب، للنساء وطلاب الجامعات والأكاديميين وعائلات مقاتلي كتائب حزب الله الذين فقدوا حياتهم في المعارك.

يقول الكاتب إن الترويج لفكرة ولاية الفقيه، هو أحد المجالات الرئيسية التي تركز عليها المؤسسات المرتبطة بكتائب حزب الله.

ويضيف أن "مشكلة كتائب حزب الله هي أن كبار مراجع الدين الشيعة في النجف، لا يؤمنون بهذه العقيدة، حيث عبر المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني بوضوح عن معارضته لنظام سياسي يحكمه رجال الدين". 

ويتابع الكاتب "لقد أدركت كتائب حزب الله والجماعات المشابهة المدعومة من إيران أن هذا يمثل مشكلة رئيسية لدفع خطط إيران في العراق وخارجه"، ولذلك تعمل مؤسساتهم على نشر فكرة ولاية الفقيه.

يتابع كاتب المقال "من الفروق الرئيسية بين أيديولوجية ولاية الفقيه ومدرسة النجف أن الأولى لها أطماع عالمية، فبينما سارعت الميليشيات العراقية الموالية لإيران، بما في ذلك كتائب حزب الله، إلى الدفاع عن نظام بشار الأسد تحت قيادة فيلق القدس بعد اندلاع الحرب السورية في عام 2011".

ويضيف: بالمقابل "عارض السيستاني إرسال مقاتلين إلى سوريا للقتال إلى جانب نظام الأسد". 

ومن أجل الحفاظ على مستقبلها في العراق وتوسيع نفوذها في المنطقة، تحتاج كتائب حزب الله والجماعات المماثلة إلى نشر ولاية الفقيه لتأمين الشرعية الدينية لطموحاتهم.

وبالإضافة إلى وجودها في سوريا، أبدت كتائب حزب الله استعدادها للقيام بدور أكبر في مغامرات إيران الإقليمية، "حيث يشتبه في أنها وراء الهجوم الذي استهدف منشآت نفطية سعودية في مايو من العام الماضي، كما أن قادة الميليشيا يدعون علانية إلى شن هجمات إرهابية"، داخل السعودية. وتتجنب معظم الجماعات الموالية لإيران في العراق تبني مثل هذه الاستراتيجية، ومنها على سبيل المثال منظمة بدر بزعامة هادي العامري.

"من الصعب على جماعة لها وجود مكثف في العملية السياسية أن تخاطر بمصالحها من خلال الدعوة إلى شن هجمات على دول أجنبية، لكن جماعة مثل كتائب حزب الله تمتلك القدرة على التصرف كميليشيا راديكالية محظورة، وهي حالة يمكن أن تستغلها إيران عندما تتعرض للضغط"، حسب كاتب المقال.

إنهاء النفوذ

ويقول الكاتب "يبدو أن السبب وراء عدم اتخاذ رئيس الوزراء العراقي إجراءات حاسمة ضد كتائب حزب الله هو الخوف من مزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد".

ويتوقع كاتب المقال أن البلاد قد تتجه إلى الفوضى "بهذه الوتيرة والمسار الذي تتبعه كتائب حزب الله".

ويعتقد العديد من السياسيين الشيعة العراقيين أنه إذا فشلت الحكومة في إخضاع الجماعات شبه العسكرية لسيطرة الدولة العراقية، فإن البلاد ستشهد حربا أهلية أخرى، هذه المرة بين الشيعة أنفسهم. 

ومن أجل تجنب هذا السيناريو القاتم، تحتاج الحكومة إلى البدء في الحد من نفوذ كتائب حزب الله في قوات الحشد الشعبي.  وعبرت الوحدات الموالية للسيستاني بوضوح عن استيائها من الهيمنة الإيرانية داخل قوات الحشد الشعبي، وهذه الهيمنة يتم تسهيلها بشكل أساسي من قبل كتائب حزب الله. 

وأعلنت هذه الوحدات انشقاقها عن الحشد الشعبي واستعدادهم لتسهيل المزيد من الانشقاقات، وهذا هو أكثر ما تخشاه الميليشيات الموالية لإيران. 

ويحتاج رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الاستفادة من التهديد المتمثل في زيادة الانشقاقات لتنويع تسلسل قيادة قوات الحشد الشعبي من خلال تعيين قادة أكثر وطنية، حسب ما يقترح كاتب المقال.

وكذلك على الكاظمي، وفقا للكاتب، أن يحد من الأنشطة الاقتصادية لكتائب حزب الله التي تعمل على زيادة وتنويع مصادر إيراداتها من خلال اختراق مختلف القطاعات الاقتصادية، مثل البناء والزراعة والنفط ومن خلال الانخراط في تجارة غير مشروعة عبر الحدود مع سوريا والابتزاز واستغلال مزاد العملة سيئ السمعة للبنك المركزي.

واتخذ الكاظمي بعض الخطوات للحد من الفساد عند المنافذ الحدودية لحرمان جماعات مثل كتائب حزب الله من عائداتها غير القانونية، ولكن هذه الخطوة لم تحقق الكثير بعد، وفقا للكاتب.

ويضيف أن "حرمان كتائب حزب الله من ملاذاتها هو أيضا مفتاح لتقليص قبضة الجماعة على البلاد، فهي تحرص على منع وصول الحكومة العراقية إلى مناطق في بغداد، وجرف الصخر والحدود العراقية السورية.

ووفقا للكاتب "يجب أن ينتهي هذا" وإلا فإن كتائب حزب الله ستكون قادرة على استخدام هذه المناطق لمواصلة بناء قوة موازية يمكنها أن تتحدى بشكل كبير قوات الأمن العراقية وتجر العراق إلى مزيد من الصراعات الإقليمية المدمرة.

ومن المرجح أن تقاوم كتائب حزب الله هذه التحركات وتلجأ إلى العنف من أجل حماية مصالحها، ولكن إذا تم إجراؤها بعناية ومناقشة الأمر مع جميع اللاعبين الرئيسيين، فيمكن تخفيف الضرر. 

ويحتاج الكاظمي إلى التشاور ليس فقط مع الشركاء السنة والأكراد والتحالف الدولي ضد داعش، ولكن الأهم من ذلك الفصائل الشيعية، بما في ذلك تلك الموالية للسيستاني.

  ومن المرجح أن تدعم مجموعة من القوى السياسية والجماعات شبه العسكرية الشيعية الحكومة في جهودها لبسط سلطتها، خاصة إذا تم تنفيذها خطوة بخطوة، والبدء بالوسائل السلمية.

المصدر: ترجمة "الحرة"

مقالات متعلقة

الأربعاء, 7 أكتوبر - 2020