بصفقة بلغت 400 مليار دولار.. إيـران تتجه نحو الصين وتدفع وكلائها للسعي خلفها

يشعر النظامان الاستبداديان في بكين وطهران بالحرارة القادمة من واشنطن، فالأولى محاصرة في حرب تجارية مريرة ومدمرة مع الولايات المتحدة، فيما تعيش الأخيرة اقتصادا مشوشا بعد عقوبات أعادت فرضها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.  

لكن الرسوم الجمركية والعقوبات لم تسفر بعد عن ما يسعى إليه ترامب من كلا الطرفين. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن هذين الخصمين المفترضين لواشنطن ربما يجدان مشتركات أكبر، بحسب تقرير صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بعنوان "خصما ترامب الأجنبيان يخططان لصفقة كبيرة".

واعترف وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف في جلسة برلمانية، الأسبوع الماضي، بأن حكومته "بثقة وقناعة" تسير في مفاوضات مع الصين بشأن شراكة استراتيجية مدتها 25 عاما يمكن أن تنطوي على حوالي 400 مليار دولار من الاستثمارات الصينية من خلال قطاعات مختلفة من الاقتصاد الإيراني.

ظهر مخطط تفصيلي لتفاصيل الاتفاقية في وثيقة مسربة من 18 صفحة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، والتي لم يتضح مصدرها على الرغم من أنها تتوافق تقريبا مع الخطط التي تم الإعلان عنها سابقا من قبل الحكومة الإيرانية.

سيكون الاتفاق بين البلدين بعيد المدى، وسيزيد من تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون الأمني، بما في ذلك البعثات المحتملة في سوريا والعراق، كما ستشهد الشركات الصينية توسيع تواجدها في خطوط السكك الحديدية والموانئ والاتصالات الإيرانية، بينما تضمن لبكين إمدادات نفط إيرانية ثابتة وبأسعار مخفّضة على مدى 25 عاما، كما ستقوم الصين بتطوير مناطق للتجارة الحرة في مواقع استراتيجية في إيران، مما سيزيد من إلزام البلاد بمبادرة بكين العالمية لتطوير حزامها المترامي الأطراف.

على الرغم من أنه كان قيد العمل منذ عام 2016، قبل انتخاب ترامب، فإن توقيت الاتفاق المحتمل واضح. إنه تذكير بعدم قدرة ترامب على حثّ طهران على الجلوس إلى طاولة مفاوضات جديدة بعد إلغاء التزامات الولايات المتحدة بالاتفاق النووي.

وتقول "واشنطن بوست": "الآن، ومع تعثر اقتصادهم، يسعى الإيرانيون إلى شريان حياة من بكين. ويبدو أن المسؤولين الصينيين، بالنظر إلى صراعهم مع واشنطن، على استعداد لتحمل المخاطر".

من غير الواضح متى سيتم الكشف عن الصفقة الفعلية. وتلعب الصين دورا رئيسيا في مجلس الأمن في عرقلة جهود إدارة ترامب لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران والتي من المقرر أن ينتهي في تشرين الأول/أكتوبر.

والشهر الماضي، رفض سفير الصين لدى الأمم المتحدة محاولات الولايات المتحدة لاستخدام شروط الاتفاق النووي لإعادة فرض حظر الأسلحة، ووبّخ إدارة ترامب على تعليق الصفقة قبل نهايتها في المقام الأول.

داخل إيران لم تتم تسوية الأمر بعد، وسيتطلب توقيع الاتفاق إجراء تصويت في مجلس الشورى (البرلمان) الذي يهيمن عليه الآن المتشددون الغاضبون بالفعل من الرئيس حسن روحاني بسبب تعامله مع جائحة كورونا وفشل الاتفاق النووي.

تحول الانتصار الدبلوماسي المميز لروحاني إلى رماد، مع اختناق اقتصاد بلاده بسبب العقوبات الأميركية مرة أخرى، فيما يبدو أن احتمال الانفتاح على الغرب قد تبدّد.

وفيما لم تفصح حكومة روحاني ولا الحرس الثوري الإيراني عن سبب توجيه بلادهم كليا نحو الصين، يبدو واضحا أنه في ظل حملة الضغوط القصوى الأمريكية تتجه طهران نحو بكين من أجل النجاة.

لبنان على خطى إيران

وفي سياق متصل، قالت وكالة "أسوشيتد برس"، اليوم الأربعاء، إن لبنان يسعى إلى تأمين استثمارات من قبل الصين، مع تضاؤل فرص حصوله على الدعم المطلوب من الغرب والعرب لتجاوز أزمته المالية، دون إجراء إصلاحات ملموسة. 

وذكرت الوكالة، في تقرير نشرته، أن لبنان الذي كان على مدى وقت طويل مجالا للتنافس بين إيران والسعودية بات الآن من النقاط المهمة بالنسبة لتصعيد التوترات بين الصين والغرب، مشيرة إلى أن حكومة، حسن دياب المدعومة من "حزب الله"، تبحث حاليا عن الدعم الصيني، على خلفية عدم إحراز أي تقدم يذكر في مفاوضاتها الماراثونية مع صندوق النقد الدولي، ورفض المانحين الدوليين تقديم مساعدات مالية إلى بيروت بقيمة 11 مليار دولار وعدوا بدفعها عام 2018 ، ما لم تطبق في البلاد إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق وإجراءات في سبيل مكافحة الفساد.

ولفت التقرير، إلى أن الالتفات نحو الصين يحظى بدعم نشط من قبل "حزب الله" اللبناني، لكنه يهدد في الوقت نفسه العلاقات بين حكومة بيروت والولايات المتحدة، واصفا استراتيجية الحكومة اللبنانية الحالية بـ"السير على حبل بهلوان".

وأشارت الوكالة إلى أن دياب استقبل في وقت سابق من الشهر الجاري سفير الصين لدى لبنان، وانغ كيجيان، وبعد ذلك تم توجيه وزير الصناعة اللبناني، عماد حب الله، بدراسة فرص التعاون مع بكين.

ونقلت الوكالة عن مسؤول وزاري طلب عدم الكشف عن اسمه، قوله "تحركنا نحو الصين جدي جدا، لكننا لا ندير ظهرنا للغرب.. نمر بظروف استثنائية، ونرحب بكل من ينوي مساعدتنا".

وأوضح المسؤول أن الصين اقترحت الإسهام في إنهاء أزمة الطاقة المستمرة منذ عقود في لبنان، عبر شركاتها الحكومية، مؤكدا أن حكومة بيروت تدرس حاليا هذا المقترح.

وأكد المسؤول المذكور والاقتصادي، حسن مقلد، للوكالة أن بكين عرضت أيضا إنشاء شبكة محطات طاقة ونفقا يصل بين بيروت ووادي البقاع، وسكة حديدية على طول سواحل لبنان.

وقدر مقلد، الذي زار الصين عدة مرات في عامي 2018 و2019 ، قيمة المشاريع المقترحة من قبل بكين بنحو 12.5 مليار دولار.

ولفت التقرير إلى أن هذه الاستثمارات قد تجلب منفعة إلى كلا الطرفين، موضحا أن الصين قد تستفيد من تحسين علاقاتها مع لبنان باعتبار هذه الدولة منطلقا لأعمال إعادة إعمار سوريا المجاورة.

كما رجح التقرير أن ميناء طرابلس اللبناني الذي تم توسيعه في السنوات الأخيرة قد يصبح نقطة مهمة ضمن مشروع "طريق الحرير" الصيني.

من جانبها، حذرت السفيرة الأمريكية لدى لبنان، دوروثي شيا، حكومة بيروت من التقارب مع بكين، إذ قالت إن الالتفات نحو الشرق لن يحل جميع مشاكل البلاد، محذرة من أن هذا التقارب قد يتم على حساب الازدهار والاستقرار والاستدامة المالية للبنان، ناهيك عن علاقاته طويلة المدى مع الولايات المتحدة.

وذكر التقرير أن إيران اقترحت أيضا على لبنان تصدير النفط إليه، لكن مسؤولين في بيروت يشعرون بالقلق حول إمكانية التعامل مع طهران، خشية من تعرض البلاد لعقوبات من قبل الولايات المتحدة.

كما تخوض حكومة بيروت، حسب التقرير، مفاوضات مع حكومة بغداد بشأن إمكانية تصدير الوقود من العراق مقابل منتجات زراعية لبنانية.

إيران إنسايدر

مقالات متعلقة