تعد مسألة استهداف حلفاء الأسد "إيران وروسيا" الركيزة الأبرز لقانون قيصر، حيث جاء في البيان أن القانون "يشمل الجهات التي توفر الطائرات أو قطع غيار الطائرات لشركات الطيران السورية، أو من يشارك في مشاريع البناء والهندسة التي يسيطر عليها نظام الأسد أو التي تدعم صناعة الطاقة في سوريا".
وبحسب القانون، فإن الرئيس الأمريكي ملزم بفرض عقوبات ضد الأجانب الذين يقدمون خدمات في مجال الدفاع أو معلومات ذات طابع عسكري، وهنا تبرز أهمية الفقرات التي نص عليها القانون في استهداف الأنشطة الخاضعة للعقوبات، ومنها كل من يوفر عن علم، دعما ماليا أو ماديا أو تقنيا كبيرا أو يشارك عن قصد في صفقة كبيرة مع إحدى الجهات التالية: "حكومة نظام الأسد (بما في ذلك أي كيان يملكه أو يسيطر عليه النظام) أو شخصية سياسية بارزة في حكومة الأسد.
وتستهدف العقوبات كذلك الشركات والميليشيات الأجنبية المساندة لنظام الأسد كشركة "فاغنر" الروسية، وكل "الميليشيات الإيرانية" المتواجدة على الأرض السورية، وذلك وفقا لنص القانون الذي يعاقب كل شخص أجنبي, (مثل متعاقد عسكري أو شركة للمرتزقة أو قوة شبه عسكرية تعمل عن عمد بنشاط عسكري داخل سوريا لصالح أو نيابة عن حكومة الأسد أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران) أو (يبيع أو يوفر عن عمد الطائرات أو قطع غيار الطائرات التي تستخدم للأغراض العسكرية في سوريا لصالح الحكومة السورية أو نيابة عنها لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تسيطر عليها بشكل مباشر أو غير مباشر حكومة سورية أو القوات الأجنبية المرتبطة مع حكومة الأسد)، وكذلك كل من (يوفر عن عمد البضائع أو الخدمات الهامة المرتبطة بتشغيل الطائرات التي يتم استخدامها لأغراض عسكرية في سوريا لصالح أو نيابة عن حكومة الأسد).
وبحسب القانون، فإن "الرئيس الأمريكي ملزم أيضا بفرض عقوبات ضد الأجانب الذين يقدمون خدمات في مجال الدفاع أو معلومات ذات طابع عسكري، وللذين يتعاملون مع البنك المركزي. كما تمت إضافة بند أخير على المشروع يقضي بأن تقدم الإدارة الأميركية للكونغرس تقارير دورية تعرض خيارات عسكرية لحماية المدنيين في سوريا.
من هنا، دقت إيران ناقوس الخطر لإدراكها العميق أن قانون "قيصر" يستهدف نفوذها في سوريا والمنطقة، ذلك لأنّ مفاعيل القانون وتداعياته، ضربت أذرعها الطويلة في المنطقة، وأبرزها ميليشيا "حزب الله" اللبناني ومحاليفه من الكيانات اللبنانية.
وبدأت ارتدادات القانون في لبنان تظهر بنحو جليّ حتى قبل تطبيقه.
وفي السياق، صرحت الصحافية اللبنانية نهاد طوباليان لبلدي نيوز أنه "من المبكر الإحاطة بتداعيات قانون قيصر على لبنان لأنه لم تمض سوى بضعة أيام على دخول القانون حيز التنفيذ، ولكن الأكيد سيكون للقانون تداعيات خطيرة على لبنان كما على سوريا نتيجة الارتباط الوثيق لعدد من الأفرقاء السياسيين اللبنانيين بنظام الأسد، وفي مقدمهم حزب الله الذي تورط بالساحة السورية كوكيل عن الحرس الثوي الإيراني وإيران".
وأضافت طوباليان "من أولى تداعيات القانون حتى قبل المباشرة بتنفيذه عمليات التهريب التي ارتفعت وتيرتها بالأسابيع الأخيرة من لبنان إلى سوريا للسلع الغذائية والنفط والدولار، مما أدى إلى تهاوي صرف الليرة اللبنانية نتيجة عملية تهريب الدولار بشكل يومي إلى سوريا، وهذا بدوره فاقم الأزمة المعيشية للبنانيين وزاد في إفقارهم".
وختمت الصحافية اللبنانية، بالقول "لا زال حزب الله يكابر بأن هذا القانون لا يؤثر عليه تجسد ذلك في الكلمة المصورة لأمينه العام نصر الله بأن القانون لا يؤثر على لبنان، وأعطى تعليماته للحكومة اللبنانية للتوجه شرقا في مقايضة السلع اللبنانية بما يقابلها من مواد سواء من إيران أو الصين، وسبق نصر الله نائبه الشيخ نعيم قاسم في مقابلة مطولة على محطة "أل بي سي" مؤكدا على عدم تأثير القانون على لبنان ما دامت الحكومة اللبنانية قائمة، وهذا يؤشر لمحاولة حزب الله "التملص" من تداعيات القانون وتحميل مسؤولية ذلك لحكومة حسان دياب التي يهيمن عليها الحزب، والذي سيستمر بعملية التهريب مما سيعمق المشكلة اللبنانية ويغرق اللبنانيين في الفقر والحاجة".
ولعل الشعور بخطورة قانون قيصر، دفع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إلى زيارة أنقرة، ومن ثمّ موسكو، وذلك لمواجهة تداعيات القانون، في إطار المصالح المشتركة لأطراف "آستانا" في سوريا، قبل أن يستفحل القانون ويفتك بأذرع إيران المسلحة، لأنه يستهدفها في الصميم، لذلك أوكلت لنصر الله عملية تعبئة الجمهور الشيعي وآليات مواجهة قانون قيصر، حيث أكد على أن "حلفاء الأسد الذين وقفوا معه في الحرب العسكرية والأمنية والسياسية، لن يسمحوا لقانون قيصر بأن يلحق الهزيمة به، ولن يسمحوا بسقوطه في مواجهة الحرب الاقتصادية".
وفي منحى متصل لاحتواء "قانون قيصر"، تلجأ إيران إلى إعادة الوضع الأمني إلى ما كان عليه من توتر في البادية السورية، بل قد يزداد سوءا؛ لأن الوجود العسكري لـ"تنظيم داعش" يأتي وفق استراتيجية إيرانية في رسم الخريطة السياسية لهذه المنطقة وتوجيه التنظيم وفق مقتضيات مصالح طهران، لذلك ستدفع بتنظيم داعش إلى الواجهة ، كمبرر لاستمرار الأزمة، وقد تناقلت وسائل إعلام محلية قبل أيام، عملية تثير الكثير من الجدل، حول سيطرة تنظيم داعش، على قرى "الروضة والكونات وأطراف الطهماز" في ريف مدينة السلمية الشرقي، ولعل ما يشير إلى بقاء الوضع الأمني مختلًا، تنامي نشاط التنظيم في العراق، حيث أن الميليشيات التابعة لإيران في العراق، تقوم بعملية تواطؤ واضحة مع التنظيم.
والواقع أن عملية تهريب الأسلحة ستستمر مهما كان حجم تدابير المواجهة؛ وسطوة العقوبات، لأنَّ البادية السورية، تمثل منطقة عبور لتهريب الأسلحة من إيران، عبر شبكات ميليشياتها المنتشرة في العراق، وقد سبق أن أحبطت إسرائيل العديد من محاولات تهريب الأسلحة، كان آخرها ما كشف عنه في يوم 8 يونيو/حزيران الجاري إثر القصف الجوي الإسرائيلي لبادية البوكمال. وفي ظلّ العقوبات الأميركية القائمة أصلاً على إيران، فإن "قانون قيصر" لن يؤثر إلى حدّ كبير على قرار طهران وميليشياتها في سوريا، لكنه سيزيد الخناق الاقتصادي على نظام الأسد جراء ما يتضمنه هذا القانون من إجراءات وعقوبات اقتصادية سيكون لها تأثير كبير على حصار الأسد سياسيا واقتصاديا، وأكثر ما تخشاه طهران أن العقوبات ستدفع الأسد قسرا للدخول في العملية السياسية بمرجعية القرار الدولي رقم 2254، كما ينص "قيصر"، وبالتالي الرضوخ للضغوطات الأميركية لانسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا، وتجريدها من كل مكتسباتها على مدار سنوات في المنطقة.
من هنا، تواجه إيران وميليشياتها تحديات خطيرة؛ جرَّاء التهديد الذي يشكله "قانون قيصر" تجاهها، ومحاولتها الدؤوبة للحد من تأثير العقوبات ومفاعيل القانون وتداعياته؛ ما يضع إيران في سوريا، على عتبة مرحلة جديدة، وهذا ما كشفته كلمة نصر الله الانفعالية حين قال إن "الذي يضعنا بين خيارين: إما نقتلك بالسلاح أو نقتلك بالجوع، أقول له، سيبقى سلاحنا في أيدينا ولن نجوع ونحن سنقتلك، نحن سنقتلك، نحن سنقتلك".
وبما أن تهديده للولايات المتحدة يبقى في إطار الحدود الكلامية، يبدو التهديد العملي بالقتل سيطال هذه المرة حليفهم الأسد في حال امتثاله للضغوطات الأميركية المتعلقة بإخراج إيران وميليشياتها من سوريا.
المصدر: بلدي نيوز