كما هو مذكور في الجزء الأول من المرصد السياسي، يتسبّب تنفيذ واشنطن الوشيك لـ "قانون قيصر لحماية المدنيّين في سوريا" بحالة من الهلع في لبنان.
وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي من القانون هو معاقبة حكومة بشّار الأسد على الفظائع التي ارتُكبت ضد الشعب السوري، إلا أنه لم يكن بوسع النظام الاستمرار لفترة طويلة بما يكفي لارتكاب هذه الانتهاكات من دون دعم مباشر وغير مباشر من الميليشيات والمسؤولين والشركات التجارية اللبنانية.
والأهم من ذلك، كان "حزب الله" في طليعة الحرب السورية لسنوات، حيث ساعد بشّار الأسد في شن حملاته الوحشيّة بكفاءة أكبر من خلال الاعتماد على المقاتلين والموارد من لبنان.
وتستمر الروابط الوطيدة للحزب مع النظام السوري حاليا، بما في ذلك في قطاعات الوقود (الفيول) وغيرها من القطاعات المستهدفة بموجب قانون "قيصر" بشكل صريح.
ويعطي ذلك المسؤولين الأميركيين فرصة لمعاقبة الأفراد والقنوات والأدوات اللبنانية التي يستخدمها "حزب الله" ودمشق لإبقاء النظام واقفا على قدميه.
وفي الواقع، إن الوضع الراهن مثالي لممارسة المزيد من الضغط على الحزب وحلفائه داخل لبنان.
وقد طلبت الحكومة اللبنانيّة التي يقودها "حزب الله" في بيروت حزمة مساعدة من "صندوق النقد الدولي" تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار، لذلك يفهم المسؤولون المحليّون تداعيات تحدي القانون الأميركي والمجتمع الدولي الأوسع في هذا الوقت الحسّاس من تاريخ البلاد.
وبناءً على ذلك، يجب على واشنطن وشركائها أن يوضّحوا أن البلاد لا يمكن أن تتوقّع الحصول على مساعدات من "صندوق النقد الدولي" ما لم تبدأ بقطع علاقاتها العسكرية والتجارية المحددة مع نظام الأسد.
وعلى الرغم مما يقوله "حزب الله" للشعب اللبناني، إلا أنه لا يزال بإمكان البلاد أن تُنقذ نفسَها عبر الالتزام بالتدابير الإصلاحيّة والشروط التي حدّدها "صندوق النقد الدولي".
من الذي يجب أن يشعر بالقلق؟
لطالما ارتبط لبنان بسوريا سياسيا واقتصاديا وماليا. ويسمح غياب الحدود المرسّمة بين البلدَين حتى الآن بعمليّات تهريب يومية غير مُراقَبَة، مما يجعل من الصعب تقدير حجم التبادلات المالية بين البلدين.
ولكن بعض التفاصيل واضحة ـ كما ذكرت وكالة "رويترز" في نوفمبر: "من المُعتقد أن لدى سوريين أثرياء ودائع بمليارات الدولارات في المصارف اللبنانية".
وقد أصبح الكثير من هذه الأموال محتجزا لدى المصارف بعد انهيار الاقتصاد اللبناني وفي أعقاب فرضْ المصارف المحلية قيودا مشدّدة على السحب النقدي بالدولار الأميركي.
وقد تخضع بعض هذه المصارف وشركائها والشركات اللبنانية المرتبطة بها إلى عقوبات جديدة بسبب المساعدات المادية لنظام الأسد، خاصة إذا كانت مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالدعم اللوجستي للعمليات العسكرية لـ "حزب الله" في سوريا.
ومع ذلك، قد يكون الردع هو التأثير الأكثر أهمية لـ "قانون قيصر" ـ أي سيتعين الآن على الشركات اللبنانية التي كانت تأمل في الوصول إلى السوق السورية من خلال مشاريع التجارة أو إعادة الإعمار، إعادة النظر في هذه الخطط.
ويشكل مهربو الوقود مجموعة مهمة أخرى قد تتأثر من جرّاء تنفيذ هذا القانون. وفي الوقت الذي لا يتمكن فيه لبنان تحمّل خسارة المزيد من احتياطياته من العملات الأجنبية، أشار حاكم "مصرف لبنان" رياض سلامة الشهر الماضي إلى أن البلاد "تنزف" 4 مليارات دولار سنويا بسبب تهريب "حزب الله" والجهات الفاعلة الأخرى للوقود المدعوم من الحكومة إلى سوريا.
وقد وصلت حالة الهلع إلى أوساط أصحاب الشركات المتورّطة في هذه العمليّات، ويعتقد العديد من السكان المحليين أن "قانون قيصر" قد وُضِع خصيصا لاستهداف التهريب في كلا الاتجاهين ـ ليس فقط الوقود المتجه إلى سوريا، ولكن الأسلحة القادمة إلى لبنان أيضا.
لذلك، يجب على المسؤولين الأميركيّين استخدام بطاقة التهديد بفرض العقوبات بموجب "قانون قيصر" للضغط على المسؤولين اللبنانيين من أجل تشديد الرقابة على الحدود واتخاذ تدابير أخرى تساعد في الحد من تهريب الوقود عبر المعابر غير القانونية.
يجب أن يشعر بعض الحلفاء السياسيين لـ "حزب الله" بالقلق إزاء التشريع الأميركي الجديد أيضا.
وعلى الرغم من أنّ تعامل الرئيس ميشال عون وزعيم "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري مع النظام السوري قد اتّسم بالحذر، إلا أن الحلفاء الآخرين كانوا أقل خجلا في إعلان دعمهم العسكري للأسد، بمن فيهم "الحزب السوري القومي الاجتماعي" ورئيس "حزب التوحيد العربي" وئام وهّاب.
على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن وهاب أرسل أفرادا للقتال إلى جانب النظام السوري في السنوات الماضية (وقد قُتل عدد منهم خلال اشتباك وقع في محافظة السويداء عام 2014).
تقوية الحدود، الانفصال عن الأسد قد يساعد "قانون قيصر" لبنان على تعزيز سيادته وتمكين مؤسساته في وجه الجهات الفاعلة من غير الدول، عبر استخدامه هذه الانتهاكات وغيرها المتعلّقة بسوريا كوسيلة ضغط.
وعلى وجه الخصوص، إذا أقنع التهديد بفرض العقوبات بموجب "قانون قيصر" المسؤولين اللبنانيّين بترسيم حدود بلادهم والبدء في تنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701 بشكل صحيح، فإن ذلك سيحدّ من حرية "حزب الله" في استغلال المؤسسات الوطنية دعما لنظام الأسد في البلد المجاوِر.
علاوة على ذلك، سيكون المهرّبون أقل حرية في مواصلة الأنشطة التي تضر بالاقتصاد اللبناني وتجلب أسلحة خطيرة إلى أراضيه.
وعلى الصعيد الإقليمي، من شأن تعزيز سيادة لبنان أن يساعد المجتمع الدولي على ممارسة المزيد من الضغط على "الجسر البري" الإيراني إلى بيروت والحدود الإسرائيلية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، يمكن الاستفادة من "قانون قيصر" بطريقتين. أولا، يمكن أن يساعد في تثبيط الجهود لتطبيع العلاقات اللبنانية مع سوريا طالما أن النظام الذي لم يتم إصلاحه يسيطر على السلطة في دمشق.
وعندما أثار نشطاء لبنانيون وشخصيات معارضة مخاوف في الشهر الماضي حول الكيفية التي يؤدي فيها تهريب الوقود إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد اللبناني، صرح الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله أن الحل الوحيد هو تطبيع العلاقات من أجل التنسيق بشكل صحيح مع سوريا لحل المشكلة.
ويفضل الحزب هذا الحل لأنه يحتاج إلى إبقاء ما يقدر بـ 120 معبرا غير قانوني تحت سيطرته، بدلا من ترسيم الحدود والإشراف عليها من قبل "الجيش اللبناني".
لكن المواطنين اللبنانيين (والمصارف) لم يعودوا قادرين على تحمّل الأضرار الناجمة عن الحدود الفضفاضة وانخراط "حزب الله" في سوريا. ثانيا، يمكن لـ "قانون قيصر" أن يدفع بلبنان إلى تعليق اتفاقياته العسكرية وهيئاته التنسيقية الطويلة الأمد مع دمشق.
وتتضمّن هذه الهيئات "المجلس الأعلى السوري اللبناني"، وهو هيئة أُنشئت بموجب "معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق" خلال الاحتلال السوري للبنان عام 1991.
ووفقا للميثاق ـ الذي لم يُلغَ عندما غادرت القوات السورية لبنان في عام 2005 ـ يتعيّن على الدولتَين "السعي لتحقيق أعلى مستويات التعاون والتنسيق في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية وغيرها".
كما توفر المعاهدة آلية لإضفاء الطابع المؤسّسي على هذا التنسيق عبر عدة لجان ثنائية الأطراف. علاوة على ذلك، تدعو اتفاقية الدفاع والأمن، الموقعة في وقت لاحق من ذلك العام، إلى تنسيق وتعاون شاملين بين المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخبارية لكل دولة.
ويشكل "قانون قيصر" أداة قوية لتعزيز الحجة القائلة بأن لبنان لا يمكنه أن يبقى مرتبطا بعد الآن بالنظام السوري الحالي على المستويين الاقتصادي والأمني.
ومن أجل منع حدوث انهيار اقتصادي شامل، من الضروري أن تبعد البلاد نفسها عن محور الأسد ـ إيران، وتتحدّى أي تطبيع للعلاقات مع النظام الحالي في دمشق.
وتشكّل بطاقة التهديد بفرض العقوبات بموجب "قانون قيصر" وسيلة لحثّ المواطنين اللبنانيّين على الإدراك بأن النأي بالنفس الواضح والراسخ هو شرط مُسبَق للحصول على مساعدة دولية.
وفي الوقت نفسه، يجب على المسؤولين الأميركيين التأكيد على أن التشريع لا يهدف إلى الإضرار برجال الأعمال اللبنانيين الذين لم يشاركوا في دعم نظام الأسد. ويَعتبر الكثيرون من أصحاب المصانع والتجّار والمزارعون المحليون أن سوريا تشكّل الطريق البري الوحيد لإرسال بضائعهم إلى بقية أنحاء المنطقة.
ومن الضروري طمأنة أصحاب هذه المؤسسات بأنّ الغرض من "قانون قيصر" ليس استهدافهم أو إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد اللبناني الهش.
وتحقيقا لهذه الغاية، على "مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة" في وزارة الخزانة الأميركية أن يوضح بالتفصيل أنواع التبادل التجاري الشرعي العابر للحدود وإعادة الشحن الشرعيّة التي لن تتأثّر بالتشريع.
المصدر: منتدى فكرة