تترقب السلطات اللبنانية تداعيات "قانون قيصر" على البلاد، مع اقتراب دخوله حيز التنفيذ في الـ17 من الشهر الجاري، نظرا للعلاقة المتشابكة بين أطراف بارزين في الحكومة اللبنانية الحالية ونظام بشار الأسد.
ترقب يصاحبه حالة من القلق لدى المسؤولين في لبنان، خشية أن يؤثر القانون على المفاوضات التي تجريها حكومة حسان دياب مع صندوق النقد الدولي، لا سيّما وهناك معابر غير شرعيّة يسيطر عليها "حزب الله" مع سوريا وترى واشنطن أنها تصيب "حزب الله" في الصميم.
وصدّق الكونغرس بشقيه، النواب والشيوخ، على القانون في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بعد ثلاث سنوات من الشد والجذب بين الجمهوريين والديمقراطيين.
ويشمل القانون في مرحلته الأولى يوم 17 يونيو/ حزيران، سلسلة عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري وحلفائه، والشركات والأفراد المرتبطين به، فيما ستتبعها على مراحل إجراءات عقابية أخرى.
وينسب قانون "حماية المدنيين السوريين" إلى مصور عسكري في الطب الشرعي لقب بـ"القيصر" انشق عن النظام عام 2013، وانضم إلى المعارضة وبحوزته آلاف الصور توثق عمليات قتل واسعة ارتكبتها قوات النظام بحق خصومه خلال الحرب الدائرة في سوريا منذ 2011.
"قيصر" ومصلحة لبنان
يقول "نزار زكا"، وهو عضو فريق "قيصر"، مدير البرامج لدى المؤسسة الأمريكية لتكنولوجيا السلام، إن القانون "يقدّم مهلة 180 يوما لتقديم أول تقرير للكونغرس منذ توقيعه، أي قبل 18 يونيو الحالي، ويشمل أربع مراحل من العقوبات حتى أغسطس (آب) المقبل".
وأضاف "زكا"، أن ذلك القانون يشمل الأشخاص والمؤسّسات التي تعاونت مع النظام في شتى المجالات.
وأردف لوكالة "الأناضول"، "في المرحلة الأولى لن يتطرق القانون إلى الملفات التي سبقت تاريخ إصداره رسميا (ديسمبر 2019)، إنما سيعاقب الأفراد والمؤسسات التي تعاونت مع النظام بعد هذا التاريخ، وفي حال لزم الأمر سيُعاد البحث في الملفات السابقة".
ويشدد "زكا" على أنه "يسوق للقانون على أنه عقوبات على لبنان لكنه غير ذلك"، لافتا إلى أنه "يصب في مصلحة لبنان خصوصا لناحية توقيف التهريب غير الشرعي للنظام السوري عبر المعابر التي يسيطر عليها حزب الله".
ويتابع "هذا القانون أتى لوضع العصي في الدواليب لمن ينوي من اللبنانيين الذهاب إلى سوريا لإعادة الإعمار هناك".
ويرى أنّ "مصلحة لبنان الانفتاح نحو الغرب لأن ليست وظيفة البلاد الدخول في المحاور الضيقة"، مؤكدا "أن هذا القانون هو فرصة للتحرر".
وعن الفرق بين العقوبات السابقة وقانون قيصر، يجيب "القوانين السابقة كانت تستهدف نقاطا محددة، أما القانون الحالي يغطي جميع النوافذ المتعلقة بالنظام السوري".
وحول طرح اسم الوزير السابق جبران باسيل، حليف "حزب الله" على لائحة العقوبات، يوضح زكا "نحن لا نلتفت إلى الأسماء بقدر ما يهمنا غاية هذا القانون".
ويؤكد أن "هذا القانون لن يميز أي فرد عن الآخر وحتى الإدارة الأمريكية لا تملك صلاحية عليه إنما الكونغرس ووزارة الخزانة مباشرة".
وحول تأثير قانون قيصر على المفاوضات مع صندوق النقد، يرد "الولايات المتحدة تمثل 17 بالمئة من صندوق النقد، وهي قادرة على التأثير، والأهم من ذلك أن شروط الصندوق وقانون قيصر يعملان لمصلحة الاقتصاد اللبناني".
ويجري لبنان حاليا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة مساعدات، وتعول الحكومة على هذا القرض، الذي باستطاعته انتشال البلد من أزمة اقتصادية هي الأسوأ بتاريخه.
ويشهد لبنان، منذ 17 أكتوبر/ تشرين ثاني 2019، احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية، وأجبرت الحكومة السابقة على الاستقالة في 29 من الشهر نفسه، ورغم تعيين حكومة جديدة لا زالت الاحتجاجات مستمرة.
باسيل والأسد
وفي هذا الصدد، يرى مصدر مقرّب من باسيل أنّه "على الدولة اللبنانيّة الموازنة بين مفاوضاتها الضرورية مع صندوق النقد الدولي، وبين ضرورة النظر إلى سوريا من باب المصالح المشتركة وخصوصا الاقتصادية منها لأنها رئتنا إلى العالم العربي".
وبالنسبة للعقوبات على باسيل، يفيد المصدر للأناضول: "لم يتحدث معنا أحد في هذا الموضوع، والوزير لم يرتكب أي جرم لكي يعاقب، وعلاقته بحزب الله ليست جريمة بل هي علاقة مع مكوّن أساسي من الحياة العامة اللبنانية".
وفي سياق غير بعيد، أشار زكا إلى أن "القانون سيعمل على الكشف عن مصير 628 لبنانيا في السجون السورية، لأن القانون يضع على لائحة العقوبات كل من له علاقة بقتل السجناء أو تعذيبهم مع حق الأهل في معرفة مصيرهم".
قنبلة العقوبات
وعلى الجانب الآخر، يعتبر المحلل السياسي المعارض لـ"حزب الله"، علي سبيتي، أنّ "الحكومة اللبنانيّة ستتشظى من قنبلة العقوبات الجديدة، لأنه من الصعب وضع لبنان خارج الحسابات السورية في ظل أكثرية سياسية موالية للنظام في سوريا".
وحول مدى جهوزية "حزب الله" لهذه العقوبات، يرد سبيتي في حديثه للأناضول "الحزب سيقابل العقوبات بمزيد من الافتخار كونها امتحان ارتضاه الحزب لنفسه".
مضمون العقوبات
من جهته، يكشف مصدر مقرب من رئيس الجمهورية، أن "لبنان لم يبلّغ بعد رسميا بمضمون القانون، وكل ما يجري الحديث عنه هو فقط في الإعلام، كما أن نص القانون غير واضح حتى الساعة".
ويتابع المصدر مفضلا عدم نشر اسمه "على ضوء ما سيترتب عن هذا القانون سيكون هناك موقف".
وينفى المصدر أن يكون لقانون قيصر تداعيات على المفاوضات القائمة مع صندوق النقد، قائلا: "كل واحد مفصول عن الآخر".
قانون غير قابل للطعن
وعن مدى قانونية هذه العقوبات، يوضح الخبير القانوني الدولي، علي زبيب، أن "قانون قيصر هو قانون ساري المفعول وما يميزه عن غيره أنه أدخل إلى ميزانية الدفاع الوطني في الولايات المتحدة لعام 2020".
ويضيف "وبالتالي لا يمكن التذرع بعدم إمكانية واشنطن تنفيذه لأنه خصص له موازنة".
ويتابع زبيب "لا يمكن الطعن به (القانون) نهائيا، لأنه نافذ والولايات المتحدة لا تفرض قوانينها إلا من خلال مؤسستها حيث تمنع (المؤسسات) من التعامل مع الذين لا يطبقوها".
المصدر: الأناضول