عاد التوتر مجددا إلى الجبهة الشمالية في إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية، بعد هجمات جوية منسوبة لإسرائيل في السماء اللبنانية، لجمع معلومات استخباراتية، ولإطلاق النار نحو أهداف إيرانية في الأراضي السورية، بالتزامن مع نشاط إسرائيلي على طول الحدود لاستكمال بناء الجدار الأمني، كما تم رصد تحركات لافتة لحزب الله على الحدود، وهو ما أطلق صافرة تحذير داخل قيادات تل أبيب وحزب الله.
حيل عسكرية
بعد نهاية حرب لبنان الثانية "حرب تموز2006" أصدر مجلس الأمن القرار 1701، الذي أمر بتجريد الجنوب اللبناني من القدرات العسكرية غير الحكومية، من خلال انتشار الجيش اللبناني بمساعدة اليونيفيل، وهو ما دفع حزب الله إلى اتباع حيل لتواجده في المنطقة.
على طول الخط الأزرق، يقوم الحزب بدوريات بواسطة مجموعات ترتدي لباسًا مدنيًا مجهزة بمعدات تصوير متخصصة، تتحرك تحت غطاء منظمة مدنية تدعى "أخضر من دون حدود"، وبغطائها أقام حزب الله على الأقل 16 موقع مراقبة قريبة من الحدود، ومواقع كثيرة أُخرى تُشغّل من منازل خاصة.
تنشط على الحدود "قوات الرضوان" وهي قوات راجلة نوعية منتشرة بالقرب من الخط الأزرق، يتيح لها تواجدها في تلك الأماكن القيام بعملية سريعة داخل أراضي إسرائيل بأساليب متنوعة.
خلال الفترة الأخيرة، رُصد ارتفاع في نشاطات حزب الله في منطقة الحدود، وهناك محاولات لاجتياز الحدود في المناطق التي لا تضم جدارًا أمنيًا فاصلًا، في المقابل قام الجيش الإسرائيلي بنشر كمائن في منطقة الحدود مع لبنان ويجري نشاطات متعددة، كما تم رصد ارتفاع عمليات التهريب من لبنان إلى إسرائيل، حيث يحبط الجيش الإسرائيلي عمليات تهريب مخدرات أو سلاح من لبنان مرة كل يومين بحسب التقارير.
أهداف حزب الله
إلى جانب الانشغال الواسع لحزب الله بوباء كورونا، يواصل الحزب جهوده، بمساعدة الحرس الثوري الإيراني، من أجل ترسيخ بنيته التحتية، وخصوصًا في هضبة الجولان، كجبهة إضافية إلى جانب الجبهة اللبنانية في مواجهة إسرائيل.
كما تستمر محاولات حزب الله وإيران لنقل وسائل قتالية استراتيجية، بما في ذلك مكونات تتعلق بمشروع الصواريخ الدقيقة، من إيران إلى سوريا، ومن هناك إلى لبنان.
نشوب مواجهة جديدة
التقديرات السائدة أن أي احتكاك بين إيران والولايات المتحدة في الخليج أو في العراق سيؤدي إلى ردة فعل من حزب الله ضد إسرائيل، أو يحدث التصعيد كرد فعل على الهجمات الإسرائيلية في السماء اللبنانية. لكن الحديث ما زال يدور أن كلا الجانبين غير معنيين بمواجهة واسعة النطاق.
تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أنه في أي مواجهة عسكرية مقبلة سيسعى حزب الله لتحقيق إنجاز سريع في الساعات الأولى، وستكون الأداتان الهجوميتان للحزب إطلاق نار ضمن مدى رؤية المقاتلين، واستخدام المقاتلين أنفسهم الذين تقدّر أعدادهم بالآلاف. ووفقًا لهذه التقديرات، فإن خبرات حزب الله القتالية تطورت منذ تدخله العسكري في سوريا حيث أصبحت قدراته هجومية بعد أن كانت دفاعية، واكتسب مقاتلو الحزب خبرات قتالية جديدة.
بحسب التقديرات، فإن انتشار حزب الله على الحدود قد يساعده في القيام بعمليات موضعية من مدى قريب، مثل زرع عبوات ناسفة وقنص، وفي الأساس إطلاق صواريخ مضادة للمدرعات، وهو ما يسبب قلقًا لتل أبيب التي تفكر في شن هجوم استباقي.
عملية استباقية
في ضوء احتمال التصعيد، تفكر إسرائيل بين خيارين هما هجوم استباقي مع ميزاته العسكرية وبين تأجيله لاستنفاد الفرص لمنع التصعيد، أو لاعتبارات سياسية.
قدرة حزب الله على القيام بهجوم بري مفاجئ في أراضي إسرائيل تزيد كثيرًا من الضغط على قادة إسرائيل لاتخاذ قرار بهجوم استباقي، في ضوء الخطر الذي تشكله قوات الرضوان على المستوطنات القريبة من حدود إسرائيل، وعدم وجود عمق استراتيجي بين التهديد وأهدافه، تزداد أهمية الاعتبارات التي تضغط نحو قرار مسبق بمهاجمة التهديد قبل تحققه، لكن حتى اليوم هناك داخل القيادة في تل أبيب من يحاول وقف الحرب الجديدة نظرًا لخسائرها الكبيرة.
في المقابل، ستحاول إسرائيل الفترة المقبلة تضييق الخناق على حزب الله بدون عملية عسكرية، عن طريق رصد الانتشار والعمليات العسكرية لحزب الله بالقرب من الخط الأزرق، واستخدام هذا الكشف للضغط على الحزب، وعلى نشطائه، وعلى الذين يقدمون له الحماية، سواء في القرى أم في صفوف الجيش اللبناني والحكومة أو للتقدم بشكوى لمجلس الأمن لخرق القرار، لتوريطه دوليًا.
وعلى مستوى دولي، ستحاول إسرائيل بالعمل مع الولايات المتحدة ودول أوروبية من أجل اشتراط تقديم مساعدة اقتصادية وعسكرية للبنان مقابل تقويض حزب الله وزعمائه داخل لبنان، مستغلة أزمة لبنان الاقتصادية، هذا بالتزامن مع القرارات الأوروبية المرتقبة بإدراجه كمنظمة إرهابية عقب القرار الألماني قبل أسابيع قليلة.
المصدر: الدستور