بعد تصعيد لأشهر.. "إيران والغرب" حرب أم تفاوض؟

شهدت منطقة الخليج العربي سلسلة من التوترات المتتابعة، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فمن مهاجمة أربع ناقلات نفط تجارية، إلى إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة، واختفاء ناقلة نفط يعتقد أنها إماراتية في مياه الخليج، ونهاية باحتجاز ناقلة النفط البريطانية "ستينا إمبيرو"، بالمقابل صعّد الغرب خطواته تجاه إيران إثر احتجاز ناقلة النفط الإيرانية العملاقة "غريس1" في جبل طارق بتاريخ 4 تموز الجاري، وأرسل مزيدا من التعزيزات العسكرية إلى مياه الخليج بالتزامن مع تشديد العقوبات الأمريكية على طهران وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إسقاط طائرة إيرانية مسيرة اقتربت مسافة 1000 متر من إحدى البارجات الأمريكية لحظة دخولها مضيق هرمز، ونفي إيران لذلك وعرض فيديو يظهر لقطات للناقلة نشرها الحرس الثوري الإيراني. 

مجمل التطورات تطرح تساؤلا مفاده إلى أين تتجه الأوضاع في الخليج العربي بين طهران من جهة، وواشنطن ولندن من جهة ثانية، هل تتجه الأمور نحو مواجهة عسكرية أم أنها تنتهي برضوخ إيران بعد جرها إلى طاولة التفاوض عنوة؟

انسحاب أمريكي

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شهر أيار 2018، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي كما تعهد بذلك خلال حملته الانتخابية.

عقوبات

كما أعاد فرض سلسلة عقوبات أشد صرامة من العقوبات السابقة شملت حتى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

وبغية حرمان ايران من عائدات النفط، أعلنت واشنطن أنها ستعاقب أي جهة تقوم بشراء النفط الايراني بحيث تراجعت مبيعات النفط إلى حد كبير.

الحرس الثوري إرهابي

وفي 5 أيار 2019، وبعدما أدرجت الحرس الثوري على لائحتها "للمنظمات الإرهابية"، أعلنت الولايات المتحدة نشر حاملة الطائرات "إبراهام لينكولن" وقطعا حربية تشمل قاذفات في الشرق الأوسط، ردا على ما اعتبرتها مؤشرات حول وجود تهديد جدّي من قبل قوات النظام الإيراني.

مهاجمة ناقلات

وفي شهر مايو/آيار الماضي، تعرضت أربع ناقلات نفط إلى هجمات في خليج عمان، وفي شهر حزيران الماضي تعرضت ناقلتان أيضا لهجومين وحملت واشنطن ايران المسؤولية عنها وترافق ذلك مع حشد الولايات المتحدة المزيد من الجنود والقوات في المنطقة.

وكادت الولايات المتحدة أن تشن حملة قصف جوي ضد أهداف ايرانية في أعقاب اسقاط طائرة أمريكية بلا طيار قرب مضيق هرمز بتاريخ 20 حزيران، لكن ترامب أوقف الهجوم قبل عشر دقائق من الموعد المقرر، حسب قوله.

غريس1

وفي 4 تموز الجاري، احتجزت بريطانيا ناقلة نفط إيرانية قبالة سواحل جبل طارق. وتوعد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، برد قوي على احتجاز لندن ناقلة النفط الإيرانية العملاقة "غريس1". وقال إن بلاده "لن تدع قرصنة بريطانيا البحرية الخبيثة تمر دون رد".  

وفي 10 يوليو/تموز، حاولت البحرية العسكرية الإيرانية -حسب بريطانيا- منع مرور ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز، لكن الحرس الثوري نفى حدوث أي مواجهة مع سفن أجنبية.

إسقاط مسيرة إيرانية

وفي 18 تموز، أكد ترامب أن السفينة الأميركية "بوكسر" دمرت فوق مضيق هرمز طائرة مسيرة إيرانية كانت تقترب بخطورة من سفينة أميركية. وردت إيران في اليوم التالي باعتبار ذلك "ادعاءات لا أساس لها".

ناقلة نفط بريطانية

في 19 يوليو/تموز، أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه احتجز ناقلة نفط بريطانية تحمل اسم "ستينا إمبيرو" أثناء عبورها مضيق هرمز. وجاء القرار بعد ساعات على إعلان المحكمة العليا في جبل طارق تمديد احتجاز ناقلة النفط الإيرانية ثلاثين يوما.

تعزيزات بريطانية

وأعلن وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت عن وصول فرقاطة بريطانية إلى مياه الخليج خلال أسبوع.

وتعتبر هذه الفرقاطة الحربية هي الثالثة التي وصلت إلى منطقة الخليج إثر التصعيد مع إيران.

وأفادت وسائل إعلام بريطانية أن مدمرة سترسل إلى المنطقة ابتداء من منتصف سبتمبر/ايلول، الأمر الذي لم تؤكده وزارة الدفاع.

وحاليا تتواجد في مياه الخليج الفرقاطة البريطانية "اتش ام اس مونتروز" على أن تنضم إليها في وقت لاحق المدمرة "اتش ام اس دنكان" لضمان "حرية الإبحار" في هذه المنطقة.

وقال مصدر في وزارة الدفاع إن فترة بقاء القطعتين في مياه المنطقة لم تحدد. ولم تكشف الوزارة ما إذا كانت القطع الثلاث ستتواجد في الوقت نفسه في مياه الخليج، بينما قال المصدر "يمكن أن تتواجد القطع الثلاث في المنطقة معا من غير أن تكون الثلاث بالضرورة عملانية في الوقت نفسه".

تعزيزات بريطانيا العسكرية في الخليج لا يمكن أن ينظر لها بمعزل عن التوتر القائم بين واشنطن وطهران والتصعيد الإيراني الأخير ضد سفن بريطانية حربية وتجارية.

وقالت بريطانيا، أمس الاثنين 22 تموز، إنها تسعى لتشكيل قوة أمنية بحرية بقيادة أوروبية لضمان حرية الملاحة الآمنة في مضيق هرمز، مشيرة إلى أن أي تصعيد إيراني في الخليج العربي سيقابل بحضور عسكري بريطاني ضخم على طول السواحل الإيرانية.

رد إيراني

ردت إيران اليوم الثلاثاء على سعي الولايات المتحدة وبريطانيا لتشكيل تحالفات دولية بحجة حماية الملاحة في الخليج بالتحذير من زعزعة الاستقرار في المنطقة، وبأنها ترصد تحركات من وصفتهم بأعدائها، خاصة الأميركيين.

وقال إسحاق جهانغيري نائب الرئيس الإيراني اليوم الثلاثاء 23 تموز، إن بلاده كانت دائما تحافظ على أمن مياه الخليج، ولا تحتاج إلى تحالفات أمنية، مضيفا أن الدول التي تسعى لتشكيل قوة أجنبية في المنطقة هي السبب الرئيس في زعزعة الأمن في أي منطقة وجدت فيها، حسب قوله.

وأضاف جهانغيري أن الأحداث والتطورات الأخيرة في مياه خليج أثبتت أن اعتماد لغة غير لغة التفاوض والمنطق مع إيران سيضر المنطقة ومصيره الفشل، ودعا الولايات المتحدة إلى رفع الضغوط عن إيران للدخول في مفاوضات منطقية ستكون نتيجتها في صالح منطقة الخليج، على حد وصفه.

وبالتزامن تقريبا مع تصريحات نائب الرئيس الإيراني، قال قائد البحرية التابعة للجيش الإيراني الأدميرال حسين خانزادي إن المياه الخليجية آمنة ولا تحتاج لوجود القوات الأجنبية فيها، مضيفا أن وجود هذه القوات يستهدف الأمن والاستقرار في المنطقة.

وأضاف خانزادي أن القوات المسلحة الإيرانية ترصد تحركات وعمليات أعدائها في المياه الخليجية خطوة بخطوة، خاصة الولايات المتحدة.

حرب أم تفاوض؟

يرى مراقبون أن إيران تدفع باتجاه الحرب، مستغلة عدم جدية الغرب في مواجهتها عسكريا، خشية من إغلاق مضيق هرمز الذي يفصل بين إيران وسلطنة عمان، ويربط الخليج بخليج عمان وبحر العرب، والذي يعتبر المنفذ الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر، ويمر منه نحو خمس إنتاج العالم من النفط أي نحو 17.4 مليون برميل يوميا، في حين بلغ الاستهلاك نحو 100 مليون برميل يوميا عام 2018.

وفي 14 أيار الماضي، وصف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي فكرة إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة بأنها "سمّ"، لكنه في الوقت نفسه طمأن المشاهدين بأنه "لا نحن ولا هم يسعون إلى الحرب، إنهم يعلمون أن ذلك لا يصب في صالحهم". وتُعد صيغة "لا حرب ولا تفاوض" جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية التي يعتمدها خامنئي، والتي تنص على عدم إثارة المواجهة العسكرية، ولكن في الوقت نفسه رفضْ القيام بأي تنازلات.

بالمقابل، يشدد المسؤولون البريطانيون والأمريكيون على استبعاد الحل العسكري في التعامل مع إيران، وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن "الرئيس ترمب لا يخشى شيئا بتكتيكاته الدبلوماسية.. والدبلوماسية هي أداتنا الأولى لحماية مصالحنا لكننا نعيش في أوقات خطيرة"، مشددا على أن واشنطن "لا تريد حربا مع إيران".

وتشاطر لندن واشنطن الرأي في استبعاد الحل العسكري في التعامل مع إيران في الوقت الحالي، وشددت على ذلك حتى بعد احتجاز طهران لناقلتها التجارية منذ أيام.

لكن الطرفين "واشنطن ولندن" يستمران بإرسال التعزيزات العسكرية إلى منطقة الخليج العربي، وتلوحان بعصا العقوبات التي تنهك إيران أكثر من الحرب.

المصدر: إيران إنسايدر

مقالات متعلقة

الثلاثاء, 23 يوليو - 2019